منذ قيام دولة باكستان عام 1947، اتسمت العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة بالتقلب. وعلى العكس من جارتها الكبيرة، الهند، وقفت باكستان في صف الغرب إبان الحرب الباردة، وهو ما دعا الولايات المتحدة لمكافأتها على هذا الموقف، من خلال دعمها عسكرياً. لكن الأمر، مع ذلك، لم يخل من حدوث مشكلات على الطريق. ففي عام 1962 على سبيل المثال، خاضت الهند حرباً ضد الصين فقامت الولايات المتحدة بدعم الهند، وقدمت لها مساعدات عسكرية... لكن عندما دخلت الهند وباكستان في حرب ضد بعضهما البعض، فرضت الولايات المتحدة حظراً على تصدير الأسلحة للدولتين معاً. النقطة الأبرز في تاريخ التعاون بين الدولتين، كانت في عقد الثمانينيات من القرن الماضي عندما تعاونتا معاً في دعم المجاهدين في أفغانستان، والذين كانوا يحاربون الغزاة السوفييت. وفي ذلك الوقت حقق التعاون بينهما نجاحاً كبيراً، وساهم مساهمة فعالة في إجبار الاتحاد السوفييتي على سحب قواته من هناك في نهاية المطاف عام 1992. ومع هزيمة السوفييت، والأحداث الموازية التي أدت إلى وضع نهاية للحرب الباردة، قررت الولايات المتحدة سحب يديها مما يجري في أفغانستان. وفي عام 1992، وبسبب الأنشطة النووية الباكستانية، قرر الكونجرس الأميركي فرض حظر على جميع صور التعاون العسكري مع باكستان. وهذان التطوران على وجه التحديد، سحب اليد، وفرض الحظر، خلقا شعوراً بالمرارة الشديدة لدى الزعماء الباكستانيين الذين شعروا في ذلك الوقت بأن الولايات المتحدة قد خانتهم. ولكن الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر، والتي خطط لها وأشرف على تنفيذها بن لادن من أفغانستان، أجبرت باكستان على التعاون العسكري مجدداً مع الولايات المتحدة، للإطاحة بحكم "طالبان". وكانت "طالبان" في ذلك الوقت متحالفة مع باكستان، وكان ينظر إليها من قبل القادة السياسيين والعسكريين في إسلام آباد، على أنها قوة يمكن استخدامها لمواجهة أي محاولة هندية للتمدد الإقليمي. وخلال تلك الفترة حسنت الولايات المتحدة علاقتها مع الهند على نحو جذري، وهو ما أدى إلى مفاقمة درجة البارانويا الباكستانية حول النوايا الطويلة الأمد للجارة الكبيرة، والتي كانت تزداد قوة بسبب نهضتها الاقتصادية. وعلى خلفية مشهد الحرب الدائرة في أفغانستان، والهجمات التي تشنها الطائرات الأميركية من دون طيار في شمال أفغانستان، جاءت الغارة الأميركية على الفيلا الذي كان يختبئ فيها زعيم "القاعدة" في مدينة أبوت آباد القريبة من العاصمة إسلام آباد، في مطلع مايو الجاري، والتي سببت غضباً شديداً في باكستان، لأن واشنطن لم تخبرها مسبقاً عن العملية. والحقيقة أن الزعماء الباكستانيين قد تعرضوا لإهانة مزدوجة بسبب هذه العملية: الإهانة الأولى أن سيادتهم الإقليمية قد انتهكت، والثانية أن بن لادن كان يعيش في فيلا بمدينة باكستانية قريبة من العاصمة، وليس في كهف في منطقة الجبال الوعرة كما كان يعتقد على نطاق واسع. ليس هذا فحسب، بل إن اكتشاف مخبئه عزز من حجة العديد من منتقدي باكستان في المنطقة، وفي الولايات المتحدة على حد سواء. وفي مقابلة تلفزيونية اتسمت بدرجة ملحوظة من الصراحة، أجراها رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق، "أمر الله صالح"، مع برنامج "60 دقيقة" الشهير الذي تقدمه شبكة "سي. بي. اس" التلفزيونية، قال من دون مواربة: "إن كم الألم الذي ألحقته باكستان بالولايات المتحدة خلال الاثني عشر عاماً الماضية غير مسبوق... فقد أخذوا أموالكهم... وأسسوا حركة طالبان... وهم الدولة الأولى في انتهاك قوانين حظر الانتشار النووي". وهذا الرأي الصريح والمباشر من جانب "صالح" يجد نظيراً له لدى العديد من المسؤولين الأميركيين بما في ذلك أعضاء الكونجرس، الذين صوتوا في الماضي لصالح تزويد باكستان بمليارات الدولارات في صورة مساعدة عسكرية ومدنية. وتبذل الدولتان في الوقت الراهن جهداً محموماً من أجل إيقاف التدهور السريع في العلاقة بينهما. ففي السادس عشر من مايو زار السيناتور جون كيرى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، إسلام آباد والتقى برئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني. وخلال اللقاء لم يعتذر كيرى عن الغارة على بن لادن، لكنه أكد على أهمية استمرار التعاون بين الدولتين. وفي بادرة حسن نية، وافق الباكستانيون على تسليم ذيل طائرة الهليوكوبتر الفائقة السرية، والتي يقال إن الرادارات لا تستطيع كشفها، والتي تحطمت أثناء الغارة المذكورة. وكانت هناك مخاوف لدى الولايات المتحدة من أن باكستان قد تسلم هذا الذيل لشريكها العسكري الآخر، الصين، والتي قد تتمكن من معرفة التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة في تصنيع هذه الطائرة. وطالما ظل المتمردون من مقاتلي "طالبان" يستخدمون باكستان لشن هجمات ضد "الناتو" وضد القوات الأفغانية، فإن المواقف المناوئة لباكستان في الولايات المتحدة سوف تتزايد. وعلى نفس المنوال سوف تتزايد المشاعر المناوئة لأميركا في باكستان بعد كل مرة تشن فيها الطائرات من دون طيار هجمات على مواقع داخل باكستان. هناك كثيرون داخل الولايات المتحدة ممن ينظرون إلى حادث قتل بن لادن باعتباره مؤشراً على البدء في تخفيض الوجود الأميركي في كافة أنحاء المنطقة. أما فيما يتعلق بالحجة التي تقول إن الانسحاب الأميركي في الظروف الحالية سوف يترك وراءه منطقة غير مستقرة، فتجد من يرد عليها بالقول بأن ذلك لم يعد من ضمن مسؤولية أميركا، وأن الدول الإقليمية الكبرى يجب أن تزيد من مجهودها، وتعمل على التعامل مع كافة المشكلات المتعلقة بكل من أفغانستان وباكستان. وربما يكون ذلك كله، نوعاً من التفكير الرغائبي؛ لأن إدارة أوباما لا تفكر حالياً في ترك أفغانستان. لكن، إذا ما حدث وتعرضت الولايات المتحدة لمزيد من الخسائر في الشهور القادمة، فإن عملية إعادة تقييمٍ للاستراتيجية الأميركية في شبه القارة سوف تُجرى في سنة الانتخابات، وسوف تكون واحدة من الملامح البارزة لتلك الحملة.