بقيتُ على مدى أربعين عاماً أحذر من احتمال وقوع حوادث كارثية في مفاعلات الطاقة النووية باليابان، وكون الكابوس الذي كنت اتنبأ به قد تحقق، لا يقلل من مقدار الحذر الذي يجب علينا توخيه حتى لا تتكرر كارثة مفاعل فوكوشيما التي تتوالى فصولاً أمام أعيننا. المفاعلات النووية هي في نهاية الأمر مجرد آلات، والآلات معرضة للتعطل، ويقوم على تشغيلها بشر، ليسوا معصومين من الخطأ، فهم معرضون دائماً لارتكاب الأخطاء في مرحلة ما. ولا يقتصر الأمر على الآلات والبشر، وإنما يمتد أيضاً إلى الطبيعة التي قد تخرج عن نطاق السيطرة، فلا يستطيع البشر التحكم فيها. بناءً على ذلك كله يجب أن نكون مستعدين دوماً: مستعدين لاحتمال تعطل الآلة، ومستعدين لاحتمالات الخطأ البشري، ومستعدين لمواجهة انفلات الطبيعة. والخطر الجوهري المتعلق بالمفاعلات النووية يتمثل في أنها تضم آلات معرضة للأعطال، وتتحكم في كمية هائلة من مواد خطرة بطبيعتها. وفي حالة وقوع أسوأ حادثة يمكن تخيلها، أو ما يسمى حادثة السيناريو الأسوأ، فلا مفر هنا من تعرضنا لأضرار كارثية. وأي تطمينات تقول إن الطاقة النووية "آمنة تماماً" هي محض هراء ولا تزيد عن كونها دعاية كاذبة. ورغم أن الدول المختلفة تتحاشى بناء المفاعلات النووية عند الخطوط الزلزالية، فقد قامت اليابان، وهي صاحبة أكبر نشاط زلزالي في العالم، ببناء 54 مفاعلاً نووياً في مناطق مختلفة من أراضيها. لا داعي هنا لتكرار ذكر ما حدث في مفاعل فوكوشيما، فكل ذلك بات معروفاً للكافة، أما الشيء الذي ينبغي الانتباه له والحذر بشأنه، فهو وجود احتمال لتكرار حوادث نووية مماثلة في مفاعلي "هاماوكا" و"شيزوكا" على وجه التحدي، واللذين يقعان عند خط الانكسار الزلزالي المعروف باسم "توكاي". ونعلم الآن أن الأرض التي بُني عليها مفاعل "هاماوكا"غير مستقرة، مما سيضاعف من مقدار الضرر الذي سيترتب على وقوع أي زلزال قادم. والسؤال هو: هل سننتظر حتى تقع كارثة في"هاماوكا"؟ إن كارثة فوكوشيما يجب أن تدفع السلطات اليابانية لتسأل نفسها: هل الميل لتوفير الراحة لمواطنيها يجعلها تقدم على خيارات غبية؟ إن يابانيين كثيرين يؤمنون بأنهم لن يتمكنوا من العيش عيشة مريحة، إلا من خلال استخدام الطاقة النووية، وهذا غير صحيح؛ فهناك بدائل عديدة، بل إن الدراسات تفيد بأن البديل النووي لتوفير الطاقة هو البديل الأسوأ، رغم الاعتقادات الشائعة التي قد تتعارض مع ذلك. لقد اعتقدنا أن رخاءنا المادي وأسلوب حياتنا المترف، يمنحنا الحق في الانخراط في عمليات إنتاج طاقة وفيرة عن طريق المفاعلات النووية، بصرف النظر عما ينطوي عليه ذلك من أخطار قد تؤثر ليس على الحياة البشرية فحسب بل وعلى أنواع النشاط الأخرى التي يعتمد عليها البشر في حياتهم، مثل الزراعة وصيد الأسماك اللتين تعرضتا للتلوث بفعل التسرب النووي من مفاعل فوكوشيما. والخيار الأفضل لليابان من وجهة نظري، هو أن تعمل على إلغاء جميع محطاتها النووية فوراً. فالشيء الذي يبدو غير مفهوم لي هو كيف لم يتوصل المسؤولون اليابانيون إلى هذه النتيجة، بعد أن رأوا بأعينهم ما حدث بسبب كارثة فوكوشيما. هيروكاي كويدي أستاذ مساعد في معهد "رياكتور ريزيرتش إنستتيوت" بجامعة كويوتو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"