كانت أمام العرب والمسلمين في القرن التاسع عشر فرصة عظيمة لاستكمال إنجازاتهم الحضارية السابقة، والتي توقفت في القرن الرابع عشر، وكان المفترض أن يتحقق لهم من خلال هذه اليقظة النجاح والازدهار المؤملين، وأن تصبح الأمة العربية والإسلامية أسبق الأمم إلى تحقيق نهضة لا تقل أهمية عما تحقق لأوروبا واليابان، بالنظر إلى مجموعة الإنجازات التي تحققت خلال عصر محمد علي باشا في مصر، سواء على مستوى الإصلاح التعليمي أو التطوير الزراعي أو على مستوى بناء الصناعات الوطنية وتطوير القوة العسكرية... حيث تم إرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، وبناء الكليات العلمية كالهندسة (1816) والطب (1825)، علاوة على استقطاب العقول والخبرات والكفاءات للعمل في مصر، والاهتمام بتطوير الجهاز الإداري بمختلف جوانبه. ويشير الدكتور مسعود ضاهر في كتابه "النهضة العربية والنهضة اليابانية"، إلى أن محصول القمح المصري في عام 1844 كان مساوياً لما تنتجه فرنسا وألمانيا، ويفوق إنتاج أوروبا الشمالية. هذا علاوة على أن مصر تتمتع بموقع جغرافي مهم وتقع على ممرات مائية حيوية، ولها في حينه نظام نقل حديث نسبياً، حيث عرفت خطوط السكك الحديدية قبل السويد وبولندا واليابان بزمن طويل. والنقطة الجوهرية هنا هي أن النهضة المصرية التي سبقت نهضة اليابان بنصف قرن، كان يفترض أن تحقق إنجازات أفضل مما حققته اليابان التي كانت تفتقر للمقومات والمزايا التي تملكها مصر، سواء على مستوى الموارد الطبيعية أو الظروف البيئية والمناخية، بل كان متوسط دخل الفرد المصري أعلى من نظيره الياباني حتى عام 1913. لقد شكلت تجربة محمد علي علامة بارزة في التاريخ العربي الحديث، وكان يمكن استثمار نتائجها الإيجابية وتحويلها إلى واقع تنموي ملموس في الوطن العربي لتحقيق رؤية جديدة للبناء الحضاري الجديد، لكنها افتقرت إلى بعض المقومات الضرورية أهمها غياب البعد الديمقراطي. وقد تناول الباحثون مجمل العوامل التي أفشلت هذه اليقظة وحالت دون وصولها إلى تحقيق أهدافها، ومن ذلك أن من قاموا على هذه التجربة لم يهتموا كثيراً بدراسة مكونات النهضة الأوروبية، واستخلاص العبر وتكييفها مع واقع المجتمع العربي ومتطلباته لبلوغ النمو والتقدم، ولم تكن لديهم استراتيجية واضحة تحدد الوسائل العملية لمواجهة المعوقات والمشكلات والضغوط والتحديات العديدة التي كانت تصطدم بحركة اليقظة وتعيق النهضة، خاصة أنه لا يمكن الاعتماد على استيراد التكنولوجيا الغربية دون طائل ودون سياسة واعية لتكييف هذا الاستيراد مع متطلبات المجتمع المحلي وظروفه. ومن المقومات المهمة التي يفلح أبناء محمد علي في توظيفها، موقع مصر الجغرافي في قلب العالم القديم وأهميته الاستراتيجية، والذي فتح شهية المطامع الأجنبية عليها. كما برزت بحدة إشكالية الحكم بعد محمد علي، حيث أن من تولوا الحكم من لم يحسنوا استثمار الإيجابيات السياسية لعصر اليقظة، ولم يعملوا على تطوير الإنجازات الديمقراطية واستكمالها، بل غلب عليهم الترف وإهدار المال العام فأدخلوا البلاد في شباك الديون التي فتحت الباب للاحتلال الأجنبي. من هنا نلاحظ أن عامل الاستعمار يسبق في أهميته وتأثيره على مشروع النهضة بقية العوامل الأخرى، خاصة بعد أن أدركت أوروبا توجهات محمد علي لإقامة الوحدة بين ومصر وبلاد الشام، ونجاحه في إحداث تجانس داخلي لصالح التنمية، وهذا ما أقلق الأوروبيين الذين كانوا يسعون للهيمنة على المنطقة العربية وتفكيك نسيجها الداخلي كمدخل لحروب أهلية طويلة الأمد، وهو الخطر الذي لاحت نذره في مطالع القرن الحادي والعشرين.