يُثبت مقتل بن لادن، تماماً مثل حياته، أنه خلافي. فقد سارع قادة العالم لتمجيد مصيره، وكذلك تذكير شعوبهم والتأكيد على أن الحرب ضد الإرهاب لا تنتهي بمقتل رجل واحد. وقد أدت السرعة التي تم بها دفن بن لادن، وحقيقة أن إدارة أوباما قررت عدم نشر الصور، إلى تشكيك البعض في قتله. وبرز التشاؤم والشك من جميع الزوايا، من الولايات المتحدة وأوروبا والعالم الإسلامي. ويرى الكثيرون في الدول الإسلامية ذلك على أنه نتيجة طبيعية للشكوك التي ينظر من خلالها أحياناً إلى الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، لاسيما عقب الحروب الأميركية في العراق وأفغانستان. وقد صرح شادي حميد، مدير البحوث بمركز بروكنغز في الدوحة لـ"وول ستريت جورنال" قائلاً إن "الأمر متعلق بالولايات المتحدة أكثر منه ببن لادن. لقد قدّمت الولايات المتحدة طروحاتها إلى العالم، وردة الفعل الطبيعية لدى الكثيرين هي إلقاء الشكوك حول كل ما تقوله واشنطن". أما إمام جامعة نيويورك، فاتخذ توجهاً مختلفاً، مركّزاً ليس على الجدل الدائر حول مقتل بن لادن وإنما على ما يمكن للمستقبل أن يحمله، قائلاً: "آمل أن يخفف الحدث عن قلوب كل شخص فقد عزيزاً يوم الحادي عشر من سبتمبر، وأن نبدأ معاً عملية التعافي والتسوية اللذين تحتاجهما مدينتنا وشعبنا". لكن ما مدى قربنا من الوصول إلى ذلك الهدف؟ تجمّع بعض الأميركيين، ومعظمهم من الشباب، عند نقطة الصفر وميدان التايمز وأمام البيت الأبيض، بعد خطاب أوباما للأمة في بث حي، وذلك كي يهتفوا ويحتفلوا بمقتل بن لادن، بأسلوب جعل كثيرين يشعرون بعدم الارتياح. كانت منى الطهاوي، وهي معلّقة في مجال القضايا العربية، عند نقطة الصفر يوم الاثنين، وشعرت بأن الهتافات وكلماتها لم تفعل الكثير للتعبير عن الاحترام تجاه ضحايا الحادي عشر من سبتمبر. تقول الطهاوي: "أنا لا أسمع أصوات تعاطف مع بن لادن من المسلمين والعرب الذين أعرفهم. لقد شعروا بالارتياح لذهابه أخيراً. لكنهم قلقون، وهذا أمر مفهوم، من أن يسمح له الاهتمام الإعلامي باختطاف الضوء من الحراك الجاري في المنطقة". ومن نواحٍ عدة، يعتبر الإرث الأساسي لبن لادن هو ذلك الشك الذي أصبح العديد من الأميركيين ينظرون به إلى مناطق وديانات بأكملها. والشك نفسه يلوّن عيون كثير من العرب والمسلمين عند النظر إلى أميركا. ما سمعته من أصدقاء مسلمين كثيرين، هو الغضب لأن بن لادن أخذ حقهم في المعاملة كأفراد، وحدّ حركتهم وسرق أصواتهم، وربط بينهم وبين أعمال لا يقرونها. وبينما يوجد أناس يتعاطفون مع بن لادن، إلا أنهم أقلية صغيرة. لعل الجائزة الكبرى التي يجب أن نأخذها من مقتل بن لادن هي "انعدام أهميته" المتزايدة، كما يصفها الصحفي روبرت فيسك، الذي قابل زعيم "القاعدة" ثلاث مرات. إذا كانت السنوات العشر الأخيرة قد تميزت بالإرهاب والخوف، فمن المناسب لها أن تنتهي الآن بولادة جديدة للديمقراطية في العالم العربي، ليتم تعريف السنوات العشر القادمة بنوع التعبير الشعبي الإيجابي الذي رأيناه في مصر وتونس، حيث تمكن الناس العاديون من إسماع أصواتهم وهم مستمرون في ذلك على ما يبدو. ورغم أن الإرهاب لن ينتهي بموت بن لادن، إلا أن هذه اللحظة يمكنها أن تشكّل نقطة انعطاف، وفرصة مميزة للحوار. لقد لوّن الجهل الأميركي بجنوب آسيا والشرق الأوسط وأعاق ارتباطاتنا مع العالم الإسلامي عامة. هناك مجال واسع، إذا نظرنا إلى الأمام، من الأصوات التي يجب أن نسمعها. الناس يتحدثون، فمن يصغي لهم؟ سيدني سميث محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية