قرار مفاجئ صدر من مجلس التعاون الخليجي منذ عشرة أيام تقريباً، فبدون مقدمات أعلن عن موافقته على انضمام الأردن إلى المجلس ودعوته للمغرب للانضمام إليه. وحتى هذه الساعة لم يستوعب الشارع الخليجي هذه الدعوة، لذا كان من الطبيعي أن ينقسم حولها. والأمر لا يختلف في المغرب والأردن؛ ففي المغرب ما يزال الشارع في حالة ارتباك من هذه الدعوة ويحاول تفسيرها، للاقتناع بها أو رفضها. وحتى الحكومة المغربية على الرغم من ترحيبها القوي بهذه الفكرة فقد أعلنت تشبثها بالاتحاد المغاربي. أما في الأردن فكان الموقف الرسمي إيجابياً، لأن القبول الخليجي لم يكن مفاجئاً بل جاء بعد طلب من الأردن بذلك، وإن كانت قد مرت 15 عاماً على ذلك الطلب. أما الشارع الأردني نفسه فهو متشكك أيضاً ومنقسم بين من بدا سعيداً بالدعوة، ومن خرج يشكك في توقيت الموافقة الخليجية على الطلب الأردني ويتساءل: لماذا الآن؟! وماذا سيستفيد الأردن من هذا الانضمام؟ لا شك أن هناك أسئلة مهمة تطرح نفسها، منها مثلاً: ما هي الالتزامات على كلا الطرفين؟ وما الضمانات التي تؤكد بأن توسيع عضوية مجلس التعاون لن تؤثر على فرص المواطنين الخليجيين في الحصول على العمل والخدمات الصحية والتعليمية المتميزة وباقي المنافع الاجتماعية؟ وما الذي يضمن حصول المواطنين في الدول التي ستنضم إلى المجلس على نفس الحقوق والخدمات حتى لا يكون من اختلاف بين مواطني المجلس؟ ?وقبل هذا العرض الخليجي لهاتين الدولتين شهد العالم تدخل دول الخليج ولأول مرة بشكل مباشر للمساهمة في حل الأزمات العربية الحالية، فلاحظنا ذلك في الأزمة الليبية، وكذلك العمل الدؤوب من جانب المجلس فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، وتقديم مبادرة تلو الأخرى من أجل الوصول إلى نهاية ترضي الطرفين في اليمن.? لا شك أن هناك كثيراً من التساؤلات تدور حول تفاصيل هذه الدعوة، وكيفية انضمام هذه الدول، والثمن الذي ستدفعه دول مجلس التعاون الخليجي لتوسيع المجلس، والثمن الذي سيدفعه كل من المغرب والأردن بانضمامهما إلى المجلس... وهذا ما يجب أن يكون واضحاً للجميع، فالخليجيون على المستوى الشعبي قلقون من هذا التوسع. فبعض الخليجيين يرون أن دخول دول تعاني اقتصادياتها من عدم الاستقرار، وتحتاج إلى دعم مستمر سيؤثر عليهم، وعلى المنظومة الاقتصادية. هذه الأمور يجب أن يتم توضيحها منذ البداية من قبل دول المجلس لشعوبها. الاستقرار الاجتماعي مهم جداً، وقد تكون لانضمام المغرب والأردن فوائد سياسية وأمنية واستراتيجية للدولتين ولدول المجلس الست معاً، لكن يجب أن لا يغيب عن دول المجلس أن التوافق الاجتماعي والانسجام الشعبي أمران في غاية الأهمية، وهما أحد الأسباب الرئيسية لنجاح مجلس التعاون الخليجي واستمراره طوال العقود الثلاثة الماضية، فلولا الانسجام الشعبي لما تمكن المجلس من الصمود في بعض مراحله وبعض الظروف الحساسة التي مر بها. فوضع الأساس الصحيح والسليم لدمج الدول والشعوب في منظومة المجلس الجديد أمر في غاية الأهمية، وهذا يعني بالضرورة أن لا يكون انضمام شعوب جديدة إلى المنظومة الجديدة على حساب المنظومة الأصلية. فصحيح أن الشعوب يهمها الأمن والاستقرار، لكن من المهم بالنسبة لها أيضاً المحافظة على مكتسباتها وعلى الامتيازات التي تحصل عليها. لم يشعر المواطن الخليجي في يوم من الأيام بالتفرقة بين أبناء المجلس، فمواطن أية دولة خليجية مهما كان حجمها الجغرافي أو ثرواتها أو تطورها وحداثتها مقارنة بالدول الأخرى، كان له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، ولم نشاهد أي تمييز بين مواطني دول المجلس على أي أساس، فكل مواطن خليجي يساوي المواطن من الدولة الأخرى، وهذا نجاح يحسب للمجلس، وهو نجاح ساعد على تقوية المجلس، لذا فإنه من المهم عند دخول دول جديدة إلى عضوية المجلس أن تكون الظروف كلها مهيأة لهذا الدخول بشكل منطقي وسلس، نريد أن يبقى كل المواطنين سواسية كما هو الحال الآن، لأن ذلك ضمان مهم لنجاح التجربة. الحقيقة التي لا يستطيع إنكارها أحد هي أن الفرص التاريخية لا تتكرر، فكما أن هناك فرصاً للتغيير في بعض الدول العربية، فإن هناك أيضاً فرصاً سانحة للاتحادات والتكتلات الإقليمية. والتغيير قد يحدث أيضاً بالعمل المشترك والتكتلات القوية. ومهما كان التوجس من هذه الفكرة من قبل الدول المدعوة، أو التردد من جانب شعوب الخليج وبعض حكومتها، إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن الاتحاد والتوحد والعمل المشترك، كل هذه الأمور أفضل من العمل الأحادي. كما أن الوضع العام للعرب يحتم عليهم إيجاد صيغ جديدة للعمل السياسي ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية، فبعد سقوط بغداد، وتراجع دور مصر، وابتعاد سوريا عن محيطها العربي، والتراجع المتواصل للجامعة العربية... أصبح من المهم أن تكون هناك قوة تحمل راية العرب. فهل جاء الوقت الذي تقود فيه دول الخليج القطار العربي?؟ وإلى أن تمر الأزمات العربية ?سينتظر العرب عودة الدور المصري، فكم ستحتاج مصر من الوقت حتى تستطيع استجماع قواها وترتيب أوراقها من الداخل وتصبح مستعدة للعمل العربي؟