قبل سنوات كثيرة، كان العاهل البريطاني الملك جورج السادس الذي خلده الشريطُ السينمائي الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، والذي يحكي قصة تخلصه من التأتأة التي كان مصاباً بها – في رحلة ملكية إلى جنوب أفريقيا رفقة عائلته. وكانت عربة القطار الملكية، بنوافذها الواسعة التي كانت تتيح رؤية أفضل، متوقفة لأن الوقت كان ليلاً. وعن طريق الصدفة، اقتربت عربة قطار مرافقة كانت تقل على متنها الصحافيين وتوقفت إلى جانبها. وفي مشهد أذهل الصحافيين وسرهم، رأوا الملك وهو يعيد أداء رقصة الحرب التي يرقصها الزولو، والتي كان قد شاهدها في وقت سابق من ذلك اليوم، أمام زوجته وابنتيه الأميرتين إليزابيث ومارجريت. كانت تلك هفوة نادرة وحسنة من هفوات اللياقة الملكية، لم تؤد صورها إلا إلى زيادة شعبية الملك لدى جمهوره، هو الذي كان قد دخل قلوب الشعب البريطاني بعد أن رفض رفضاً قاطعاً مغادرة قصر باكينجهام الملكي خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أبى إلا أن يبقى في لندن ويتقاسم أخطار القصف الألماني مع شعبه. وبعد وفاته، خلفت الأميرة إليزابيث والدها كملكة لبريطانيا، ومازالت ملكة كريمة ومبجلة قريبة من قلوب البريطانيين على غرار والدها. غير أن سلوك بعض أفراد الجيل الجديد في الأسرة الملكية البريطانية تسبب مما لا شك فيه في بعض القلق للملكة والجمهور البريطاني؛ وذلك لأنه، ومثلما قال الصحفي "جون برنز" في صحيفة نيويورك تايمز، كانت ثمة سلسلة من حالات الطلاق، والفضائح المختلفة (ومن ذلك "فضيحة كاميلا جيت"، نشر تفاصيل المكالمة الهاتفية التي قام بها الأمير تشارلز مع حبيبته وقتئذ)، والكشف عن صفقات مالية مشبوهة شارك فيها شقيق تشارلز الأصغر الأمير آندرو. وشخصياً، لا أعتقد أن البريطانيين والأميركيين وغيرهم من الأجانب قد سُحروا مثلما سُحر المذيعون التلفزيونيون المبهورون بكل فستان وقطعة قماش وتطريز وزر في حفل زفاف الأمير ويليام وكيت ميدلتون. غير أنه جلب مع ذلك بهجة وأجواء أبهة ملكية مهيبة إلى الواجهة في وقت يبتلي فيه العالم بالمشاكل من كل نوع. والواقع أنه من الصعب ألا يصفق المرء أو يهتف عندما تعزف الموسيقى؛ وعندما يمشي أفراد فرقة الحرس الملكي بزيهم الأحمر القاني المميز وخوذهم السوداء المصنوعة من فرو الدب، وعندما يمر أفراد فرقة الفرسان الملكيين المجلجلة، بأدرعهم الفضية المموضة تحت أشعة الشمس، يرافقون العربات الرائعة في موكب مهيب يسلب الألباب في الطريق إلى قصر باكينجهام. وقد يكون البريطانيون يعيشون أوقاتاً صعبة في ظل السياسة التقشفية وتخفيضات الميزانية، ولكن الأكيد أنهم يعرفون كيف ينظمون استعراضاً ناجحاً يجعل قدمك تضرب الأرض تفاعلاً ولحمك يرتعش تأثراً. والواقع بالطبع هو أن الملكية البريطانية باتت تمثل اليوم شيئاً نادراً في عالم اليوم الذي أخذ فيه الملوك والملكيات يتناقصون. ذلك أن العديد منها ألغيت أو أطيح بها، ولم يبق سوى نحو 40 دولة اليوم ملوكها هم رؤساء الدولة. والعديد منها ينتمون إلى دول مجموعة الكومنولث التي تعترف بالملكة إليزابيث الثانية باعتبارها رئيسة الدولة؛ والبقية بلدان عربية أو آسيوية أو أفريقية، وإنْ كانت الدول الاسكندنافية مازالت تتوفر على عائلات ملكية ذات تقاليد ديمقراطية عريقة لا تضاهى (وقد قيل لي إن الدنماركيين يرون في بعض الأحيان أفراداً من العائلة الملكية يسوقون دراجاتهم الهوائية في أرجاء العاصمة). اليوم، ليست هناك رغبة جماهيرية كبيرة في بريطانيا لتخليص البلاد من الملكية، وإن كانت بعض الهفوات والأفعال الشائنة التي أتى بها بعض من أفراد العائلة الملكية الشباب قد أثارت الاستياء والغضب. وقد كان ثمة أحاديث خلال السنين الأخيرة تقول بأنه ربما يتعين على الأمير تشارلز، الذي تخلى عن "أميرة القلوب" ديانا المحبوبة كثيراً من قبل الجمهور من أجل كاميلا ويعد التالي في الخط لخلافة والدته على العرش، أن يتنازل عن هذا الحق ويسمح بأن يتم تخطيه؛ على أن يصعد إلى العرش الأمير ويليام، وهو التالي في الخط بعد والده، حين يأتي الوقت لخلافة الملكة إليزابيث. غير أن كل هذا لا يعدو كونه مجرد تكهنات؛ وجميع المؤشرات تشير اليوم إلى أن أفراد العائلة الملكية البريطانية – في الوقت الراهن – هم هنا باقون. صحيح أن دورهم رمزي إلى حد كبير ولا يمتلكون قوة سياسية كبيرة، غير أن ما يجذبونه من أموال السياح الأجانب مهم وكبير. ومن الصعب في الواقع تخيل لندن من دون قصر باكينجهام، واستعراض الجيش البريطاني ووحدات قوات الكومنولث، ومراسم تغيير الحرس الملكي بزيهم الشهير، وكل أجواء الأبهة المحيطة بذلك. والواقع أن الأمير ويليام وعروسه كيت متحرران من الكثير من الثقل الذي على أعضاء آخرين من العائلة الحاكمة؛ وربما ينجحان في إضافة بعض البريق إلى تاج ربما فقد بعضاً من ألقه. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"