شهد النصف الثاني من القرن العشرين عدة تجارب لتحقيق الاندماج والتكتلات والتكاملات الإقليمية والجهوية في عدة مناطق من العالم؛ قد تكون تلك التكتلات اقتصادية صرفة، وقد تكون سياسية واجتماعية واقتصادية؛ كما قد تكون عسكرية إلى غير ذلك. وتقوم تلك التكتلات، حسب الإقليمية التقليدية، بين مجموعة من الدول المتجانسة اقتصاديا وجغرافيّاً وتاريخيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً، تجمعها مجموعة من المصالح المشتركة للدفع بها في الاتجاه الصائب وبالسرعة الضرورية لتحقيق التنمية والاستفادة من الإمكانات الموزعة في أنحاء وحدات التكتل وتنسيق مختلف السياسات في جوانبها المختلفة ومواجهة مختلف التطورات والتحولات التي تأتي بها كل ثانية أخطبوطات العولمة. وكان العامل الجغرافي يلعب دوراً مهمّاً في المنظور الإقليمي التقليدي للتكتل أو الاندماج، وقد نشأت عدة مؤسسات على أساس هذا العنصر. أما المؤسسات الإقليمية الجديدة فإنها ترتكز على تشابه المصالح بين الدول، وهذا يعني إمكانية إحداث تكتلات ومؤسسات للتعاون بين دول غير متجاورة جغرافيّاً بل وغير متشابهة ثقافيّاً وإيديولوجيّاً؛ فإذا أخذنا مثلاً تجربة مجلس التعاون الاقتصادي لدول آسيا -المحيط الهادئ (الآبك) ورابطة التعاون الإقليمي لدول المحيط الهندي، التي تعتمد على المنظور الإقليمي الجديد، فإنها تنطلق من تصور سلس وسريع للتنمية كتحرير التجارة البينية ونقل التكنولوجيا وتسهيل نقل الاستثمارات. أما المؤسسات التي نشأت انطلاقاً من المنظور التقليدي للتكتل كرابطة دول جنوبي شرقي آسيا (الآسيان) ورابطة دول جنوبي آسيا للتعاون الإقليمي (السارك) ومنظمة التعاون الاقتصادي (الإيكو) فقد ركزت على التكامل الاقتصادي عبر المراحل التقليدية لهذا التكتل انطلاقاً من خفض التعريفات الجمركية وصولًا إلى الوحدة الاقتصادية مثلاً؛ وقد تتطور تلك التكتلات التقليدية لتنشئ روابط مؤسسية مع دول أخرى كما فعلته دول جنوبي شرقي آسيا مع دول شرقي آسيا الكبرى وهي الصين واليابان وكوريا الجنوبية حيث يتم ذلك في إطار صيغة الآسيان+3؛ فلم يعد التجانس الجغرافي القاعدة الأساس في شروط الاندماج والتكتل الإقليمي الضيق؛ وبإمكاننا أن نأخذ مثال حلف "الناتو" حيث إن من بين أعضائه الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وتركيا وغيرها وما عطلت هياكله يوماً من الأيام. نقول هذا بعد ترحيب مجلس التعاون الخليجي في ختام القمة التشاورية بالرياض (الأربعاء 11/05/2011) بانضمام الأردن لعضويته ودعوة المغرب للانضمام؛ الأردن له امتداد جغرافي مع الخليج خلافاً للمغرب الأقصى الذي يقع في شمال إفريقيا، ولكن العامل الجغرافي في عالمنا اليوم لم يعد محدداً لنوعية التكتل؛ فأجدادنا المغاربة كان عليهم تحمل أعباء سفر نصف سنة لأداء فريضة الحج، أما اليوم فوصولهم إلى تلكم البقاع المقدسة انطلاقاً من المغرب لا يتعدى سبع ساعات؛ كما أن عدد سكان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا يتعدى 39 مليون نسمة، في حين أن عدد سكان المغرب يزيد لوحده على الثلاثين مليون نسمة، وهذا يعني أن التكتل الجديد إذا أضفنا إليه الأردن سيقارب 80 مليون نسمة؛ وهذا العمق السكاني سيعطي قيمة مضافة لمجلس التعاون الخليجي، لأن نتائج التكتلات في العالم يكون وقعها أكبر عندما يتوسع عدد الدول الأعضاء، وخاصة عندما تكون الدول المؤسسة للتكتل حاكمة لزمام الأمور خاصة في الميادين الاقتصادية ومتجانسة سياسيّاً. وأفضل مثال يمكن إعطاؤه هو الوحدة الأوروبية، حيث ظلت العملية الوحدوية مقتصرة، ولسنين عديدة، على مجموعة دول النواة الست؛ وعندما حاولت المملكة البريطانية الانضمام إليها، حاربتها فرنسا الديغولية لأنها كانت تعتبرها سفيرة سياسة أميركا في أوروبا، ولم تتمكن من اللحاق بالركب الأوروبي الأول إلا بعد وفاة ديغول في نهاية الستينيات. وموازاة مع انضمام بريطانيا، بدأت تتبلور تدريجيّاً فكرة توسيع العضوية والخروج من النادي المغلق إلى النادي الموسع وإتاحة الفرصة أمام جميع الدول الأوروبية للانضمام إلى العملية التكاملية؛ وهكذا بدأت "مجموعة دول النواة" تتسع تدريجيّاً من خلال موجات متتالية من التوسع الأفقي: فأصبح عددها تسعاً (1973) ثم عشراً (1981) ثم اثنتي عشرة (1986) ثم خمسة عشرة (1995) ثم خمساً وعشرين دولة (2004). وعلى رغم هذه الموجات المتلاحقة فإنها استطاعت إيجاد حلول متتالية للإشكالات الناجمة عن التفاوت البين في البنى والهياكل المالية والاقتصادية للدول المنضمة والاختلالات الناجمة عن الفوارق السياسية والاجتماعية ودرجة التقدم في تلك الدول. وما كان النجاح ليكتب لهذا التكتل الموسع لولا محورية ثلاث دول رئيسية في النظام الأوروبي التي قادت سفينة التوسع بربابنة مؤهلين ويجيدون مواجهة الأمواج العاتية وهي: فرنسا وألمانيا وإيطاليا. ثم إن الروابط التي تجمع دول مجلس التعاون الخليجي بالأردن والمغرب تسمح لها بخلق توازن عربي متين، وقد بينت أنظمتها الملكية قدرة كبيرة على الانفتاح السياسي والاقتصادي تجعلها في منأى عن الاحتجاجات التي تطال العديد من "الجمهلوكيات" العربية؛ وسيمثل هذان الانضمامان نقطة موازنة ومواجهة خطر بعض القوى إقليميّاً، ونعلم أن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع بعضها منذ زمن بعيد. ويقيني أن الخليج لن يختل توازنه بعدم انضمام الأردن والمملكة المغربية؛ كما أن المملكة المغربية لها شرعية تاريخية، والاقتصاد المغربي استطاع أن يتطور ويصمد حتى أمام الأزمات الإقليمية والعالمية المدمرة، وليس بحاجة إلى إمدادات النفط لكي يقلع كما قد يظن البعض، أما الحراك الشعبي فتلك مسألة أخرى ترتبط بمدى التطور الديمقراطي في كل بلد. ولكن تبقى دعوة مجلس التعاون الخليجي متسمة بالشجاعة وقادة مسيرته كان لهم بعد نظر ثاقب استطاعوا خلق مفاجأة ومنطقاً جديداً للتحالف بين أنظمة متشابهة وشعوب متقاربة ودون اعتبار للمصالح الضيقة والآنية.