انتخابات رئاسية جديدة في أوغندا، لكن لا جديد في الرئاسة الأوغندية هذه المرة أيضاً، حيث قام الرئيس المنتهية ولايته والمعاد انتخابه للمرة الرابعة، يوري موسيفيني، بأداء اليمين الدستورية يوم الخميس الماضي. فمنذ ربع قرن وموسيفيني يمسك بمقاليد السلطة في بلاده، وقد أخرجها من فترات الاضطراب الداخلي، وغيّر تحالفاته الخارجية في أكثر من اتجاه، وأصبح أحد زعماء وسط وشرق إفريقيا البارزين. ولد يوري كاجوتا يوسف موسيفيني عام 1944 في مقاطعة نتونجامو بالجنوب الغربي الأوغندي، لوالد كان جندياً في القوات الملكية البريطانية ثم أصبح من كبار ملاك الأراضي الزراعية وأحد أعيان مجموعة "نيانكول" التوتسية. أما موسيفيني الابن فأنهى تعليمه الثانوي في مدرسة "ناتار" عام 1967 ليلتحق بجامعة دار السلام في تنزانيا، والتي تخرج منها بشهادة في العلوم السياسية عام 1970، قبل أن يعود إلى أوغندا للعمل باحثاً في مكتب الرئيس ميلتون أوبوت. لكن موسيفيني، وخلال سنوات الدراسة والإقامة في دار السلام، أصبح يسارياً ثورياً ماركسياً، وأحد قادة "جبهة الطلاب الأفارقة الثوريين"، وعضواً في "جبهة تحرير موزمبيق"، لذلك ما أن قام الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال عيدي أمين ضد أوبوت، حتى غادر أوغندا إلى دار السلام، ولم يعد منها إلا بعد ثماني سنوات ضمن تحالف عسكري يضم الجيش التنزاني وقوات المعارضة الأوغندية، حيث تمت الإطاحة بعيدي أمين وشكّل "دابوش لول" حكومية انتقالية من عناصر "الجيش الوطني لتحرير أوغندا". وبعد صراعات بين قادة المعارضة السابقة، أجريت انتخابات تشريعية عام 1980 وضعت ميلتون أوبوت في رئاسة الوزراء مجدداً، لكن موسيفيني سرعان ما انسحب من العملية السياسية متعللاً بـ"تزوير الانتخابات"، فأسس "قوات المقاومة الوطنية" بقيادته في الجنوب، إلى أن أسقط أوبوت من سدة الحكم في يناير 1986. ومنذ مجيئه إلى السلطة، استطاع موسيفيني فرض قدر من السيطرة في بلد أدمته سنوات الحرب الأهلية التي أوقعت نحو 300 ألف قتيل بين عامي 1971 و1986، باستثناء المناطق الخاضعة لـ"جيش الرب" المعارض، وإعادة الانتعاش إلى اقتصاد هدمته الحرب. وقد اعتمد خلال سنوات حكمه الأولى على مبادئ الاقتصاد الماركسي، لكن ابن الإقطاعي السابق سرعان ما غيّر استراتيجيته ليصبح "التلميذ النجيب" لصندوق النقد الدولي. وبداية من عام 1991 أصبح موسيفيني يمثل الجيل الجديد من القادة الأفارقة، وهم ماركسيون سابقون تحولوا مع نهاية الحرب الباردة إلى تأييد السياسة الأميركية، وتبنوا نظام السوق، واكتفوا بإجراءات شكلية ومحدودة فيما يتعلق بدمقرطة نظام الحكم. وفي عام 1996، أي بعد سبع سنوات من رياح التغيير الديمقراطي التي هبّت على القارة، سمح موسيفيني بأول انتخابات رئاسية في أوغندا، وكان المرشح الوحيد فيها، أما في انتخابات عام 2001 فنافسه خمسة مرشحين ليفوز بنسبة 69 في المئة من الأصوات. ولتمكينه من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، أجرى البرلمان تعديلاً دستورياً في يوليو 2005، تضمن أيضاً إلغاء الحظر على نشاط الأحزاب السياسية، فجَرَت الانتخابات في يناير من العام التالي حيث تم التجديد لموسيفيني بنسبة 60 في المئة من الأصوات. ثم أعيد انتخابه لولاية رئاسية رابعة في اقتراع الثامن عشر من 18 فبراير الماضي، حيث حصل على نسبة 68 من الأصوات. وفيما يباهي موسيفيني بأنه نجح في نشر الاستقرار والنمو بعد سنوات من الحرب والقمع، يتهمه خصومه بالاستبداد والدكتاتورية وبإيصال البلاد إلى حالة قصوى من التخلف والفقر المدقع. وقد قام باعتقال منافسه الرئيسي وزعيم المعارضة "كيزا بسيجي" عدة مرات، ووجه إليه في عام 2006 تهمة الخيانة العظمى، قبل أن تتدخل الدول المانحة التي طالما أشادت في الماضي بموسيفيني لتطالبه بإطلاق سراح بسيجي. ويوم الأربعاء الماضي منعت السلطات الأوغندية بسيجي من دخول البلاد، حيث كان قد سافر إلى نيروبي قبل أسبوعين عقب إصابته بجروح حين عاملته الشرطة الأوغندية بعنف "لمنعه من المشاركة في حركة الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار"، وهي احتجاجات يعتبرها موسيفيني "غير شرعية". بينما ذكّر الحزب الحاكم بقيادته، "حركة المقاومة الوطنية"، بأن أوغندا -وهي بلد داخلي يقع في شرق إفريقيا وليس له منفذ بحري ويصل عدد سكانه الى 33 مليون نسمة- ما يزال اقتصادها زراعياً ولم يصبح نفطياً بعد، وأن النفط الذي تم اكتشافه بكميات تجارية ضخمة عام 2006، لم تبدأ عمليات استخراجه بعد. ويُذكر أن حقول النفط الأوغندية تتركز في المنطقة الواقعة على طول الحدود مع جمهورية الكونجو الديمقراطية التي طالما اتهم حكامها موسيفيني بالتدخل في صراعاتها الداخلية. فحين كانت الحرب الأهلية مندلعة في زائير المجاورة، دعم موسيفيني زعيم التمرد لوران ديزيريه كابيلا الذي استطاع أخيراً إسقاط الجنرال موبوتو من الحكم، لكنهما سرعان ما اختلفا، حيث بدأ موسيفيني يدعم التمرد الجديد ضد كابيلا بقيادة "جان بيير بامبا"، مقابل امتيازات كبيرة منحه إياها في مناجم الذهب والألماس داخل المناطق الخاضعة للتمرد. وتتخوف المعارضة الأوغندية من جهود يبذلها موسيفيني في تجهيز نجله لخلافته في الحكم، خاصة بعد أن وضع الحرس الرئاسي تحت قيادته. وكان موسيفيني قد عين ابنه، النقيب كاينروجابا موهوزي، في ذلك المنصب عام 2008 بعد أن خضع لتدريبات عسكرية في بريطانيا وأميركا. ورغم أهمية موسيفيني ضمن الاستراتيجية الغربية في القارة، لاسيما إزاء السودان، فإن تدخلاته في جمهورية الكونجو الديمقراطية، وأساليب حكمه السلطوية في الداخل... أزعجت حلفاءها الأميركيين والأوروبيين، فعرضوا عليه في عام 2005 التنحي عن الرئاسة وتولي مناصب دولية، لكنه رفض قائلاً إن "العمل في الأمم المتحدة سيكون إهانة بالنسبة لي، بينما إفريقيا ضعيفة، إني أبحث عن قضية وليس عن وظيفة". وفي تسريبات ويكيليكس ذكرت بعض الوثائق أن موسيفيني أبلغ الأميركيين خشيته من قيام القذافي بإسقاط طائرته؛ كونه من الرؤساء القلائل الذين يعبرون عن اختلافهم مع مساعي القذافي لإقامة "ولايات إفريقية متحدة"، وذلك للتباينات اللغوية والثقافية داخل القارة. ويقول موسيفيني إن القذافي يوجه مواقف الدول الإفريقية الصغيرة من خلال الرشاوى وأشكال الضغوط الأخرى. ولخشيته من إمكانية قيام الزعيم الليبي بإسقاط طائرته أثناء تحليقها في الأجواء الدولية، طلب موسيفيني من الولايات المتحدة تشغيل رادار إضافي يراقب الطائرة إياها خلال تنقلاته خارج أوغندا... وليس من ولاية رئاسية إلى أخرى! محمد ولد المنى