بعد مضي عشر سنوات تقريباً على بدء أشرس مطاردة لرجل شهدها العالم في تاريخه - وأكثرها تكلفة على الإطلاق أيضاً - تمكنت الولايات المتحدة، من قتل بن لادن. وبعد موته هناك سؤالان حتميان يواجهاننا هما: ما الذي يتعين علينا عمله الآن؟ وما هي إمكانيات "القاعدة" الحالية وهل هذه الإمكانيات قادرة على إلحاق الضرر بنا؟ على مدى الخمسة عشر عاماً على الأقل، سعى بن لادن للحصول على سلاح بيولوجي لإحداث دمار شامل. فحسب "رولف مات - لارسن" ضابط المخابرات المحترف، ورئيس قسم أسلحة الدمار الشامل بالـ"سي.آي.إيه" فإن "القاعدة "كانت هي المجموعة الوحيدة المعروف عنها اتباع نهج دائم وطويل الأمد في السعي لتطوير سلاح يمكن استخدامه في شن هجمات تتسبب في خسائر جماعية فادحة". ومن المعروف أن سعي بن لادن للحصول على سلاح للدمار الشامل، كان مدفوعاً باعتقاد راسخ مفاده أن كل هجوم ضد الولايات المتحدة، أو ضد مصالحها في الخارج، يجب أن يكون دائماً أكبر من أي هجوم سبقه. وهذا الاعتقاد دخل طوراً عملياً في أواخر 2002 أو2003 - كما يقول "موات - لارسن" عندما ألغت القيادة المركزية لـ"القاعدة" هجوماً كان مخططاً له باستخدام جهاز بدائي لوضع مادة السيانيد القاتلة في أنظمة التكييف المركزي بمدينة نيويورك، لأن القيادة كانت تنتظر القيام بـ"عملية أكبر". هناك احتمال ألا تتمسك القيادة المركزية القادمة لـ"القاعدة"، بهذا المبدأ من مبادئ بن لادن. لذلك فإنه، وإلى حين حصول القائد الجديد للتنظيم على سلاح دمار شامل، فإن الاحتمال الأرجح بالنسبة للأميركيين هو أنهم سيتعرضون لتهديد من هجمات مؤثرة، ولكنها أصغر في حجمها، ومداها من الهجمات السابقة. في نفس الوقت ستكون ثمار الجهود التي بذلها بن لادن للحصول على سلاح غير تقليدي متاحة للقائد الجديد أيضاً. فالتقدم التقني العام، قلل من الحاجة لوجود قدرة تنظيمية كبيرة من أجل تأمين واستخدام هذه النوعية من الأسلحة. وهكذا فإن مجموعة صغيرة يكون المبدأ الذي يقوم عليها تنظيمها هو كراهية الولايات المتحدة، يمكن أن تركّب مزيجاً قاتلاً من المواد الكيماوية والبيولوجية المسببة للأمراض في مختبرات موجودة في أقبية سرية، ثم وضع ذلك المزيج خلسة عبر ماكينة التبخر في سيارة "بيك أب"، وهو ما قد ينتج عنه مصرع عشرات الآلاف من الأميركيين. لذلك كله ينبغي ألا يدفعنا موت بن لادن نحو الاعتقاد بأن الوقت قد حان كي نسترخي قليلاً، ونخفف درجة التأهب واليقظة. والمصادفة اللافتة أن اليوم الذي قُتل فيه بن لادن، كان يوافق الذكرى الثامنة للحفل الذي نظمه الأميركيون على ظهر السفينة "يو.أس. أس ابراهام"، وأعلن جورج بوش أثناءه أن"المهمة قد أنجزت". فعقب هذا الإعلان، ساد اعتقاد بأنه بمقدور أميركا القيام خلال وقت قصير بطي صفحة العراق، وهو موقف سرعان ما تبين أنه خاطئ للغاية، أسفر عن مد نطاق ومدة المهمة في العراق وأفغانستان بدلًا من تقليصها، ونحن لا نملك رفاهية الوقوع في نفس الخطأ مرة ثانية. يجب علينا الحذر من المصطلح الغائم، المتمثل في "الحرب على الإرهاب"، وأن نعمل على تحديد هدفنا وأعدائنا الحقيقيين وهم "القاعدة" وفروعها، والجماعات الأخرى مثل "حزب الله". على المستوى العملياتي يعني هذا بذل اهتمام أقل بالجانب الجغرافي كما يعني إلى جانب ذلك - بل ربما قبل ذلك - تركيز الاهتمام على منظمات بعينها أينما وجدت. فبالنسبة لـ"القاعدة" على سبيل المثال لا يعني ذلك التركيز فقط على أفغانستان لأن عدد أعضاء التنظيم العاملين هناك يقل عن 100 فرد، وإنما يعني أيضاً باكستان، واليمن، والصومال حيث تعمل هناك أعداد غير كبيرة من أعضاء التنظيم حسب المعلومات المتوافرة. ووضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ سيعني الانخراط في ذلك النوع من القتال المعروف بـ"القتال القريب"، الذي احتاجت إليه القوات الأميركية لقتل بن لادن. وموت بن لادن لن يجعل "القاعدة" عاجزة، فعلى الرغم من أن أهميته الرمزية والفكرية كانت هائلة، يتسم التنظيم ببنية خاصة للترتيب القيادي بحيث يحل القائد محل الآخر في حالة غيابه أو موته، كما يتسم - التنظيم - كذلك بقدرة على التحول المؤسسي كما شهدنا منذ أن ظهر التنظيم إلى حيز الوجود وحتى الآن. ومنذ الحادي عشر من سبتمبر، مرت "القاعدة" بعملية تحول جوهري. فقبل تلك الهجمات كانت عبارة عن بنية تراتبية يجلس بن لادن على قمتها. أما "القاعدة" اليوم، فهي عبارة عن علامة تجارية أو امتياز يعمل تحت عباءته ما يزيد عن 60 وحدة ومنظمة فرعية دولية وما دون دولية. والمنظمات الأقوى تحت هذه العباءة هي التي تظهر رغبة أكبر في التعامل بشكل مستقل عن تنظيم "القاعدة". فتنظيم فرعي مثل "القاعدة في بلاد الرافدين" على سبيل المثال انشق عن استراتيجية بن لادن القائمة على شن هجمات كبيرة حيث تقوم استراتيجيته على شن سلسلة من العمليات الأصغر حجماً من عملية الحادي عشر من سبتمبر ضد أهداف أميركية. ولحسن الحظ أن تلك العمليات كلها لم يحالفها التوفيق. والشيء الأكثر جوهرية في هذا السياق أن عملية تفكيك الطابع المركزي لـ"القاعدة"، كان لها دور في تزويد التنظيم بالمزيد من المعرفة عن البيئات المحلية التي تُنفذ فيها العمليات، كما وفر له المزيد من الخفة الحركية، والتعدد القيادي الذي يقلل من أهمية أي قائد بعينه، حتى لو كان بوزن بن لادن. ما نحتاج إليه الآن، هو إدامة، وتكثيف روح ما بعد بن لادن، وجوهرها هو أن أميركا تستطيع تحقيق كل ما تسعى إلى تحقيقه. على أننا يجب في الآن ذاته أن نكون متيقظين، ولدينا كافة القدرات اللازمة لردع، ومنع، والرد على أي مؤامرة للقاعدة أو غيرها من المنظمات في أي وقت، وفي أي مكان نكتشف فيه تلك المؤامرات. بوب جراهام سيناتور "ديمقراطي" وحاكم سابق لولاية فلوريدا عمل رئيساً للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي خلال الفترة 2001- 2003 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"