يشير مفهوم أو مصطلح "العبء المرضي" (Disease Burden) إلى تأثير مشكلة صحية في منطقة ما على صعيد عدد الوفيات، وحجم الإعاقات التي تتسبب فيها، بالإضافة إلى التبعات الاقتصادية التي تنتج عنها. وهو ما يعني أن العبء المرضي لمرض ما، هو مؤشر، يجمع ما بين عدد من يقتلهم هذا المرض، وعدد من يتسبب في إعاقتهم -مؤقتاً أو دائماً- بالإضافة إلى الثمن الاقتصادي الناتج عن هذا المرض، والمتمثل في تكلفة جهود الوقاية والتشخيص والعلاج، وفي حجم فاقد الإنتاج بسبب الوفاة أو الإعاقة، وفي هروب الاستثمارات الدولية، وضعف الحركة السياحية في المنطقة الموبوءة، وغيرها كثير. ومن المنظور التاريخي فإن العبء المرضي يختلف تبعاً للمستوى الاقتصادي للدول بحيث يتشكل هذا العبء في الدول النامية والفقيرة غالباً من أمراض معدية مثل الملاريا، والسل، والإيدز، والأمراض المنقولة بالماء والغذاء، بينما تشكل الأمراض غير المعدية مثل أمراض القلب والشرايين، والسكري، والأمراض السرطانية، العبء المرضي الأكبر في الدول الصناعية الغنية. غير أن هذا التقسيم التاريخي بدأت مؤخراً الخطوط الفاصلة بين طرفيه في التضاؤل والتلاشي تدريجيّاً. فحسب الإحصائيات الصحية الدولية لعام 2011، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية نهاية الأسبوع الماضي، يتزايد عدد الدول التي أصبحت تواجه عبئاً مرضيّاً مضاعفاً، نتيجة انتشار عوامل الخطر المؤهلة للإصابة بالأمراض غير المعدية المزمنة، مثل السكري، وأمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، في الوقت الذي لا زالت فيه هذه الدول تكافح لخفض الوفيات بين الأمهات أثناء وبعد الحمل، والوفيات بين الأطفال -وخصوصاً الرضع منهم- نتيجة الأمراض المعدية. فعلى صعيد الأمراض غير المعدية أو المزمنة، ليس بالغائب أو الخفي مدى فداحة الثمن الإنساني الذي تحصده هذه الأمراض من أرواح البشر عاماً بعد عام، ويوماً بعد يوم. وهذا الثمن يتضح حجمه، من أن الأمراض غير المعدية تقتل حوالي 35 مليون إنسان سنويّاً، أو ثلثي إجمالي الوفيات البشرية السنوية، وهي الوفيات التي كان من الممكن تجنب 40 في المئة منها من خلال جهود الوقاية الموجهة ضد عوامل الخطر التي تزيد من احتمالات الإصابة، مثل التدخين، والغذاء غير الصحي، وعدم ممارسة الرياضة والنشاط البدني، وتعاطي المخدرات، والإفراط في شرب الكحوليات. وعوامل الخطر هذه يتضاعف وقعها وتأثيرها بشكل واضح في ظل التغيرات الديموغرافية التي يمر بها الجنس البشري حاليّاً، والمتمثلة في زيادة متوسط أعمار الأفراد من خلال الظاهرة المعروفة بتشيُّخ المجتمعات، وفي ظل تزايد ظاهرة "التمديُن" أو الانتقال من الحياة الريفية إلى حياة المدن، بالإضافة إلى الآثار الصحية السلبية -المحلية والدولية- الناتجة عن ظاهرة العولمة في حد ذاتها. وهو ما يعني أن الجنس البشري يواجه حاليّاً مشكلة صحية كبيرة يتزايد حجمها بمرور الوقت، وخصوصاً في ظل حقيقة أن الأمراض غير المعدية التي ارتبطت في الأذهان لفترة طويلة بالمجتمعات الصناعية والغنية أصبحت تشكل عبئاً مرضيّاً يتزايد ثقله بمرور الوقت على كاهل شعوب الدول النامية والفقيرة. فالملاحظ خلال العقود القليلة الماضية أن الأمراض غير المعدية قد بدلت دارها المعهودة بديار جديدة يفتقد سكانها المصادر المالية والنظم الصحية الكفيلة بدرء خطرها والحد من تبعاتها. وهذه الظروف والعوامل والمتغيرات على رغم أنها أصبحت لا تستثني دولة أو منطقة من دول ومناطق العالم فإن تأثيراتها وتبعاتها لا تتحمل من قبل دول العالم بنفس المقدار، حيث تتحمل الدول النامية حاليّاً العبء الأكبر، بسبب ضعف قدراتها في مجال الوقاية والتثقيف، ومحدودية إمكانياتها في علاج المرض الأساسي، أو علاج مضاعفاته. هذا في الوقت الذي لا زال فيه العديد من دول العالم يكافح العبء المرضي الناتج عن الأمراض المعدية، مثل أمراض الإسهال، والالتهاب الرئوي، والملاريا، وهي الأمراض التي غالباً ما تتسبب في مقتل الأطفال دون سن الخامسة. وعلى سبيل المثال، ومن خلال مراجعة بعض الأرقام والإحصائيات المتعلقة بأمراض الإسهال، يمكننا أن ندرك بسهولة حجم العبء المرضي الناتج عنها، مثل كون الإسهال يصيب ملياري شخص سنويّاً، أو ما يعادل ثلث أفراد الجنس البشري، وقد احتل في عام 2004 المرتبة الثالثة على قائمة أسباب الوفيات في الدول الفقيرة، متسبباً في 7 في المئة من جميع الوفيات التي وقعت بين شعوب هذه الدول. وبالنسبة للأطفال الأقل من عمر خمس سنوات، احتل الإسهال المرتبة الثانية على الإطلاق بين أسباب الوفيات لدى هذه الطائفة العمرية، متسبباً في وفاة 1.5 مليون طفل سنويّاً. وبين مطرقة هذه الأمراض المعدية، وسندان الأمراض المزمنة غير المعدية، أصبحت العديد من نظم الرعاية الصحية في بعض الدول العالم تقع تحت ضغوط تهدد بانهيارها التام. وحتى الدول الغنية، لم يصبح في استطاعتها بناء نظم رعاية صحية موجهة فقط ضد الأمراض غير المعدية، وتجاهل الأمراض المعدية التي تنتقل إليها بشكل متزايد من الدول النامية والفقيرة. وهو ما يجعل من الضروري إعادة هندسة نظم الرعاية الصحية في العصر الحالي، بحيث يمكنها خفض العبء المرضي، للأمراض المعدية وغير المعدية، من على كاهل أفراد ومجتمعات الشعوب، سواء في الدول الغنية أم الدول الفقيرة.