لا شك أن أسباب الاحتقان الطائفي في مصر متنوعة، فالظاهرة بزغت عام 1972 قبل حرب أكتوبر في عهد السادات في أحداث الخانكة والزاوية الحمراء. غير أن الزيجات بين المسيحيات والمسلمين أصبحت سبباً لأحداث متكررة من الصدام الطائفي خلال الأعوام الأخيرة. وفي تقديري أن علاج أسباب الاحتقان المتعددة يجب أن يمر بمرحلة التركيز على كل سبب على حدة، سواء كان متعلقاً ببناء الكنائس أو غيرها. لقد تابعت كل التفاصيل المتاحة حول أحداث الفتنة في إمبابة أخيراً ويمكنني تلخيص ما تأكد على النحو التالي: - قيام سائق مسلم بتقديم بلاغ إلى الشرطة حول اختطاف زوجته التي كانت مسيحية وأسلمت وتزوجته عرفياً واحتجازها في إحدى الكنائس. - توجهت الشرطة وجمهور من المسلمين خاصة السلفيين الى الكنيسة للتأكد من الأمر. - قيام تاجر مسيحي ينتمي للحزب الحاكم السابق بالمبادرة بإطلاق النار على المسلمين، وتلا ذلك سيل من الرصاص أطلقه شبان مسيحيون على الجمهور المسلم. - توجه بعض المسلمين بعد سقوط ستة قتلى وثمانين جريحاً منهم إلى كنيسة أخرى للانتقام وأشعلوا فيها النار. لقد كشفت الزوجة واسمها عبير أمام النيابة أنها كانت بالفعل محتجزة في منزل مجاور للكنيسة تحت إشراف راهبة لإقناعها بالعودة إلى دينها، وأنها أُخرجت إلى الشارع مع احتدام الأحداث، ولجأت الى أحد معارفها في محافظة المنوفية، وقررت النيابة حبسها بتهمة تكدير الأمن العام والتزوير في عقد إشهار إسلامها حيث ادعت أنها آنسة بينما كانت زوجة لرجل مسيحي. أوضحت "عبير" أن سبب إشهار إسلامها هو رغبتها في التخلص من سوء معاملة زوجها المسيحي، وأنها بالفعل قد اقتيدت من جانب أهلها لتودع بالمنزل المجاور للكنيسة في إمبابة في محاولة لإقناعها بالعودة الى المسيحية، وأن حريتها كانت مقيدة إلى أن تمكنت من الاتصال بزوجها المسلم خفية وأبلغته عن مكان وجودها. وإذا انتهت التحقيقات إلى إثبات هذه القصة وما صاحبها من أحداث دامية، فإننا سنكون أمام مجرد فصل جديد أصبح يتكرر منذ سنوات وهو قيام زوجة مسيحية بإشهار إسلامها للتخلص من زوجها المسيحي والزواج من مسلم، ثم التعرض للاحتجاز من أهلها بمعاونة الكنيسة لإعادتها إلى دينها، وهو ما يؤدي إلى ثورة السلفيين، الذين يعطون مثل هذه الأحداث أولوية عظمى وحدوث صدامات مع المسيحيين. إذا نظرت إلى الطابع الاجتماعي لهذه الزيجات الطائفية ستجد أنها تتم في مستويات اجتماعية مختلفة بدءاً من زوجات مسيحيات في مناطق شعبية ووصولاً إلى الطبقة الوسطى، حيث سبق لزوجة قسيس القيام بنفس الأمر. إذن لا يمكن اعتبار الأمر مرتبطاً بمستوى اجتماعي معين. وإذا نظرنا لتاريخ الأحداث وجدنا أنها تكررت منذ عشرات السنين، فهي ليست جديدة بعد الثورة. وإذا نظرنا إلى سلوك الحكومات المتعاقبة قبل الثورة سنجد أنها كانت تفضل إعادة الزوجة إلى أهلها تجنباً للمشاكل مع المسيحيين. أما في هذه المرة، فقد توجهت الشرطة مع الزوج المسلم لتفتيش الكنيسة، وهو ما فجر غضب المسيحيين، فأطلقوا النار على المتجمهرين المسلمين. إذن نحن أمام عقدة مستحكمة، هل نطالب الكنيسة باحترام حرية الزوجة المسيحية إن أسلمت، أم نطالب الزوج المسلم بغض الطرف والزواج من مسلمة ابنة مسلمين مراعاة لفقه الأولويات وسلامة المجتمع وتقديم مصالحه على مصلحة الأفراد. فكروا معنا.