يمثل مصرع أسامة بن لادن على أيدي القوات الأميركية الخاصة نصراً مؤزراً في حرب بلدنا ضد"القاعدة". فبفضل برنامج الاستنطاق التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والمعلومات المتحصل عليها من المعتقلين في معتقل"جوانتانامو"، تمكنا من اعتقال أو قتل عدد كبير من قيادات التنظيم منذ عام2001. وهذه النتيجة تعززت عن غير قصد من خلال النشر غير القانوني لوثائق ويكيليكس، الذي وإن كان قد أضعف من ثقة حلفائنا في قدرتنا على المحافظة على الأسرار، إلا أنه قدم في ذات الوقت دليلاً دامغاً على كفاءة سياسات إدارة بوش في مقاومة الإرهاب، والتي اتبعتها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وتبين تلك الوثائق القرارات المعقدة والمفاوضات المرهقة التي اضطر بوش ومسؤولو الأمن القومي لإجرائها لتنفيذ تلك السياسة. كما توثق للتكتيكات والنوايا الدموية للمئات من معتقلي جوانتانامو الذين كانوا يريدون العودة للقتال، وكذلك الجهود المضنية التي بذلها المحللون والمحققون والتي مكنتنا من إيقاف مزيد من الهجمات. ومن المعروف أن تحليل المعلومات الاستخبارية والربط بينها مهمة شاقة للغاية، كما أن أهمية معلومة ما قد لا تتضح على الفور وإنما بعد مدة طويلة، كتلك المعلومة التي قادتنا في نهاية المطاف إلى مخبأ بن لادن. وعلاوة على ذلك، ساهمت الملفات السرية عن معتقلي جوانتانامو، وخصوصاً القادة العملياتيين مثل أبو الفرج الليبي، في تقديم معلومات غاية في الأهمية عن المراسلين العاملين في خدمة "القاعدة"، احتوى بعضها على معلومات عن أبوت آباد. ولو كان بن لادن قد اهتم بالاطلاع على وثائق ويكيليكس المسربة في الخامس والعشرين من أبريل، لما كان قد ظل قابعاً في ذلك المجمع الذي اقتحمته وحدة "سيل" البحرية الخاصة، بعد ذلك بعدة أيام. في حرب يختفي فيها أعداؤنا الإرهابيون وسط المدنيين ولا يحملون السلاح علناً، يكون المهم ليس هو ما إذا كان قد تم اتخاذ بعض قرارات الاعتقال الخاطئة أم لا، بل ما إذا كانت هناك ضمانات كافية لاكتشاف الأخطاء وتصويبها عند اكتشافها. ووثائق ويكيليكس تكشف أن الأشخاص الذين تم القبض عليهم من دون أدلة كافية قد أُفرج عنهم وتم نقلهم إلى دول أخرى. ومن بين من اُعتقد أنهم لا يمثلون تهديداً وتم الإفراج عنهم، عدد كبير عادوا إلى الدفاع عن القضية التي كانوا قد تعهدوا حين الإفراج عنهم بأنهم قد تبرؤوا منها، وشغلوا عقب عودتهم من جوانتانامو وظائف مهمة، فكان منهم نائب قائد فرع "القاعدة" في اليمن، وقائد كبير في حركة "طالبان"، وخبير دعاية لمجلة "القاعدة" على شبكة الإنترنت، ومشاركون في عدة عمليات انتحارية. وتكشف الوثائق السرية لويكيليكس عن مؤامرات إرهابية لم تكن معروفة للجمهور حتى وقت نشرها؛ منها وثيقة تبين جهود "القاعدة" المحمومة في الشهور التي تلت الحادي عشر من سبتمبر من أجل شن هجوم آخر أكثر دموية، ووثيقة تكشف أن أحد قادة "القاعدة" هدد بتفجير قنبلة نووية في أميركا إذا ما تم القبض على بن لادن أو قتله. وإحداها تحتوي على تهديد من خالد شيخ محمد بإشعال عاصفة نووية مدمرة في أميركا... تؤكد تلك الوثائق أيضاً طموحات "القاعدة" النووية ومحاولاتها الحثيثة لشراء اليورانيوم، بالإضافة بالطبع إلى محاولات لاستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية منها بث غاز السيانيد القاتل عبر نظام تكييف الهواء في المباني العامة بالولايات المتحدة، وإشعال الغاز الطبيعي في الشقق المستأجرة، وتفجير قنبلة "قذرة" في مركز حضري. وتكذّب الوثائق بعض الخرافات التي شابت معتقل جوانتانامو، وسيرة بعض العاملين الشرفاء الذين خدموا هناك، كما تثبت أن المعتقلين الثلاثة الذين ماتوا في المعتقل عام 2006 قد انتحروا وليس كما ذهبت الشائعات الكاذبة وغير المسؤولة أنهم كانوا ضحية لتعذيب وحشي أثناء الاستجواب. وتبين الوثائق كذلك الحد الذي ذهب إليه المشرفون على السجن في مراعاة الحساسيات الإسلامية، ومنها إذاعة الأذان خمس مرات يومياً، وتقديم وجبات حلال، وعدم لمس المصحف إلا بعد ارتداء قفاز... باختصار لم تكن هناك سياسة لسوء المعاملة، ناهيك عن التعذيب بالطبع. إن المواد المتضمنة في تلك الوثائق كان يجب أن تشكل جوهر قصص الغد، وليس عناوين عالم اليوم الرئيسية. لقد شاركت في رعاية قانون حرية المعلومات عام 1966، وكان إيماني قوياً على الدوام بأن التدفق الحر للمعلومات أمر حيوي للديمقراطية، لكني كنت أومن في الآن ذاته بأن الرغبة في الشفافية يجب أن تكون متوازنة مع مصالح الأمن القومي الأميركي. إن مسؤولي إدارة بوش يكسبون الكثير من نشر ذلك السجل، لكننا كنا نأمل أن يأتي ذلك في وقته المناسب ومن خلال القنوات الصحيحة. لقد كان جوليان آسانج يأمل من خلال مقامرته الأخيرة بحياة الأخصائيين الاستخباراتيين، والأفراد العسكريين، والمرشدين عن الإرهاب، أن يحرج حكومة الولايات المتحدة، ويحد من قدرتها على ضرب أعدائها. لكن ما حدث أن وثائق ويكيليكس، مقرونة بما عرفناه وأدى إلى الكشف عن مكان اختباء زعيم "القاعدة" باتا يمثلان معاً أكبر دليل على صحة سياسات إدارة بوش في كفاحها المرير من أجل حماية أميركا والعالم الحر من شرور الهجمات الإرهابية، كما تقدم في الآن ذاته أقوى الحجج التي تدعو إلى بقاء تلك المؤسسة التي لا تقدر بثمن؛ معتقل خليج جوانتانامو. دونالد رامسفيلد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وزير الدفاع الأميركي السابق ينشر بترتيب مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"