يمر العالم بمرحلة يزداد فيها انتشار القوة السياسية والنفوذ الدبلوماسي بالقضايا الأمنية، لكي يصبح في متناول المزيد من اللاعبين على المسرح السياسي العالمي، بما في ذلك أشباه الدول والمؤسسات الخاصة والمنظمات والشركات التي يقودها أفراد لا يمثلون دولاً. ويزداد انتشار التكنولوجيا والقدرات العسكرية، لكي تصبح في متناول الجميع تقريباً. ويمر عبر الحدود السياسية للدول أفراد وبضائع وتكنولوجيا ورؤوس أموال لا تخضع في كثير من الحالات للرقابة العادية، وبوسائل تعجز السلطات الأمنية عن اكتشافها أو السيطرة عليها، وهذه الأوضاع يمكن لها أن تكون مصادر لعدم الاستقرار وتهديداً خطيراً للأمن. هذه الأنماط تتواجد وتفعل فعلها لسنوات عدة منذ انتهاء الحرب الباردة، وربما تستمر لسنوات قادمة لكي تصبح أكثر قوة وتأثيراً. ويمكن القول بأن الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد الدولي عام 2008، والجمود، بل والتدهور الاقتصادي الذي يمر به العالم الآن، أعاد تقوية تلك الأنماط، لكي تصبح أكثر تهديداً للأمن العالمي. وفي المقابل يقف العالم أمام هذه الظاهرة، وهو عاجز عن أن يجد لها حلاً ناجعاً، بل إن قدرة العالم على ذلك تزداد تراجعاً، وتقف مؤسسات السيطرة العالمية، وهي فاقدة لقدرتها لطرق تداعيات كتل الإشكاليات الضخمة، التي تشكل تحديات حقيقية أمام الأمن العالمي. الواقع هو أن مؤسسات الحكم الدولية والإقليمية والوطنية المكلفة بمواجهة التحديات الأمنية، تعاني في سبيل تحقيق التكليفات المنوطة بها، وإدراك حجم الإصلاح المطلوب ومواجهة الوقائع الجديدة التي تبرز. وعلى المدى القريب والمتوسط ستبقى العديد منها غير قادرة على الصعيدين الواقعي والسياسي على تحقيق مهامها. وفي الوقت نفسه، فإن التهديدات الأمنية مستمرة في التفاقم، وفي تضاعف أعدادها ومظاهرها. إن المهام المنوطة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ووكالة الطاقة الذرية وهيئة الحد من انتشار الأسلحة النووية ومجموعة العشرين (G-20)، ومؤتمر نزع الأسلحة، بالإضافة إلى الآليات المهمة الأخرى ذات العلاقة بالأمن العالمي، كمجموعة (1+5) الخاصة بإيران التي تتضمن أعضاء مجلس الخمسة الدائمين بالإضافة إلى ألمانيا، تعتبر مهامها خطيرة بطبيعتها، لكن التحديات متراكمة في حقبة تتسم بتشتت القوة السياسية بين لاعبين دوليين، وحيازة القدرات المدمرة من قبل أطراف ليست دولاً، وبانتشار المخاطر الأمنية في أماكن، لا زالت فيها الاهتمامات السيادية ومعارضة التدخلات الدولية في الشؤون الداخلية قوية جداً. ويلاحظ بشكل عام، تراجع الأدوار المستقبلية لمنظمات السيطرة العالمية، فهي ليست قادرة على التعامل مع مظاهر عدم الاستقرار الإقليمي أو الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو منع عدم الاستقرار الآتي من تدفق التكنولوجيا والأسلحة المتقدمة إلى كافة الأطراف، ومن منع النوايا السيئة للفاعلين غير الدوليين، بمن في ذلك الإرهابيون. وبالإضافة إلى ذلك تعمل التأثيرات المستمرة للتداعيات الاقتصادية السلبية على تزايد تشتت القوة الحقيقية بين دول العالم، ما يعني بحد ذاته نظاماً دولياً مفككاً يصبح فيه الإجماع والتعاون أكثر صعوبة في التحقق، فما بالك بالمحافظة عليه؟ وأيضاً يعمل الاقتصاد السيئ لدول العالم على إضعاف قدرتها على تخصيص الموارد اللازمة، السياسية والمالية، وتوجيهها نحو معالجة التحديات الأمنية التي يواجهها عالم اليوم المضطرب.