الأنظمة الحاكمة في دول الخليج العربي، محصنة ضد "ربيع" الثورات العربية التي تعصف بالجمهوريات العربية. هذا ما يجمع عليه المراقبون وهذه هي الأسباب: يبدو أن شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، شعار مرتبط بالجمهوريات العربية، وليس بأنظمة الحكم الوراثية العربية بما في ذلك الدول التي انطلقت فيها مظاهرات مثل الأردن والمغرب والبحرين وعمان، فشعار المظاهرات بالأنظمة الوراثية كان في الغالب مطالب إصلاحية، بينما تطور شعار المظاهرات في الجمهوريات خلال أيام إلى "الشعب يريد إسقاط النظام". من ناحية ثانية، تمثل الأنظمة الوراثية في الخليج النموذج الوحيد لأشكال الدولة في تاريخ المنطقة منذ قرون، فإذا كان المصريون عاشوا نظاماً ملكيّاً أيام الملك فاروق قبل انقلاب الضباط الأحرار عام 1952، وإذا خبر العراقيون الملكية الهاشمية قبل الانقلاب العسكري عام 1958، واليمنيون يستذكرون حكم الإمامة حتى عام 1962، ويتذكر الليبيون حكم الملك السنوسي الذي انقلب عليه القذافي عام 1969، فإن أهل الخليج لا يعرفون أي شكل من أشكال الدولة قبل حكم الأسر الحاكمة حاليّاً، وليس في ذاكرة أرشيفهم السياسي نظام سياسي قبل ما هو قائم اليوم، وكل ما عرفوه قبل ذلك فوضى متناثرة من مناطق نفوذ قبلية يمزقها الاقتتال القبلي، وينقصها الأمن والأمان الفردي الذي يتحقق في دول الخليج حاليّاً دون استثناء. وبالتالي فإنهم مهما عارضوا، فلن تتعدى معارضتهم المطالبة بالإصلاح لعدم استعدادهم للدخول في مغامرات المجهول الذي جر على الآخرين الويلات والاقتتال وعدم الاستقرار منذ أن انقلبوا على الأنظمة الوراثية عندهم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. من ناحية ثالثة، يرقب شعب الخليج الثورات التي تجري في جمهوريات انقلبت على أنظمة وراثية، وكانت هذه الجمهوريات قد قامت على شعارات الإصلاح والمساواة والعدالة، لتجد شعوبها أنفسها في قبضة أنظمة قبلية وراثية بشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية وهي في واقع الأمر جمهوريات وراثية، يعيش الإنسان فيها تحت نير القمع والبطش والسلب والنهب المنظم، فقامت الثورات الحالية للتخلص من أنظمة قهر وراثية تدعي الحكم الجمهوري، جاءت أساساً على أنقاض أنظمة وراثية قائمة. وبالتالي فشعب الخليج يرفض أن يكون "فأر تجارب"، وهو يرقب ما جرى ويجري للآخرين من حوله. فمن انقلبوا على الأنظمة الوراثية في العراق ومصر وليبيا واليمن تحولوا إلى جمهوريات وراثية، ومن رددوا شعارات الديمقراطية والعدالة والحرية، استفردوا بكل شيء -السلطة والمال- وورثوا الحكم الجمهوري ممن سبقهم. وهناك عامل آخر هو العامل المادي، ففي الخليج بحبوحة من العيش بسبب البترول، وهو عامل يلعب دوراً في تخفيف الاحتقان الاقتصادي. ولكي لا نجانب الموضوعية والحقيقة، فعلينا أولًا أن نقر بأن حكومات الخليج ليست أنظمة "ملائكية" محصنة من الأخطاء، ولا يدعي أحد بأنها لا تحتاج للمراجعة الدورية والإصلاح، ففي أنظمتنا الخليجية بعض القصور التشريعي والسياسي، ولكن الأكيد أن الشعب في الخليج ينظر للأمور بنسبية إقليمية، فيجد أن الخليج جنة "ديمقراطية" بمعايير المنطقة، على الرغم من إدراكه بأنه ليس كذلك بالمعايير المعروفة للديمقراطية. فالبطش المحيط السائد في الجمهوريات العربية يجعل المواطن الخليجي ينظر للأمور بمنظار نسبي ولسان حاله يردد: "صحيح أنه ليس لدينا ديمقراطية حقيقية، ولكننا أفضل ممن حولنا". "لو دامت لغيرك، ما اتصلت إليك"، شعار على مدخل قصر السيف العامر -مقر الحكم بالكويت. بالإصلاح، لن تسقط أنظمة الخليج، وسبحان الدايم!!