في عام 1990 أصبح باراك أوباما أول أميركي من أصل أفريقي يتولى منصب رئيس مجلس إدارة مجلة "هارفارد لو بريفيو"، وبعد ذلك بعام، هاتفه ناشر أدبي وسأله عما إذا كان لديه اهتمام بكتابة سيرة ذاتية عن حياته فردّ أوباما بالإيجاب، وفي عام 1995 نشر كتابه الأول "أحلام من أبي"، وكما أشار في مقدمته، فقد كان تركيزه الأساسي على العلاقة الملتبسة بينه وبين والده. وحينها أشار المعلقون إلى أمه "ستانلي آن دانهام" على أنها مجرد امرأة بيضاء من كانساس متخصصة في الانثروبولوجيا. لكن تصنيف والدة أوباما على ذلك النحو، ثم على أنها "أم وحيدة مدرجة على قوائم المتلقين للمعونات الغذائية، أو كامرأة ماتت بالسرطان وهي تصارع إحدى شركات التأمين الصحي... لم يكن كافياً للإحاطة بالحياة غير التقليدية التي عاشتها وتأثيرها على ابنها، الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة. مؤلفة الكتاب، جيني سكوت، الصحفية المرموقة الحاصلة على أعلى الجوائز الصحفية التي أجرت مقابلات مع 200 من معارف والدة أوباما، تتقصى حياة "دانهام" وعلاقتها بابنها الذي شاء القدر أن يكون صعوده في عالم السياسة بعد موتها، والذي لم ينس فضل أمه عليه ودائماً ما يشيد بها وبالقيم التي علمته إياها. ينسب أوباما لوالدته فضل تعليمه أهمية القيام بواجبه نحو الآخرين. لكن والدة أوباما لم تكتف بالنصح، وإنما كانت حياتها تجسيداً لما تنصح به، حيث عملت لعدة سنوات في نهاية السبعينيات في أحد مراكز تطوير المجتمع في "جاوة" بإندونيسيا، قبل أن تصبح رئيسة لأحد مراكز خدمة المجتمع في شيكاغو. انتقلت عائلة دانهام إلى هاواي حيث سجلت للدراسة في الجامعة. وهناك قابلت طالباً كينياً يدعى "باراك أوباما" وتزوجته في عام 1961، حيث ظل في هاواي لاستكمال دراسته الجامعية، بينما انتقلت دانهام ومولودها الصغير باراك إلى سياتل. ثم عادت إلى هونولولو عام 1963 وتطلقت من باراك أوباما عام 1964 بعد أن احتدمت خلافاتهما. وفي عام 1966 تزوجت من"لولو سويتورو" وهو إندونيسي يدرس في هاواي. تربى أوباما في هاواي خلال السنوات الست الأولى من حياته. وفي عام 1967 انتقل إلى إندونيسيا مع والدته للانضمام إلى "سويتورو" الذي عاد إلى بلاده ليعمل مفتشاً للمساحة. وفي إندونيسيا عملت دانهام مدرِّسةً للغة الإنجليزية، ثم في أحد مشروعات التنمية الريفية، وكمستشارة لمشروعات "التمويل المتناهي الصغر". أما الطفل أوباما فالتحق بالمدارس المحلية في جاكارتا حيث بقي أربع سنوات عاد بعدها إلى هونولولو حيث عاش مع جديه لأمه بينما بقيت أمه في إندونيسيا مع زوجها وابنتها. كان ذلك قراراً صعباً من دانهام، لكنها امتلكت الشجاعة لاتخاذه. وتقول المؤلفة إن دانهام كانت تريد أن يتلقى ابنها تعليماً ممتازاً في اللغة الإنجليزية، كما كانت تريد التفرغ لرعاية ابنتها وزوجها، وأيضاً التفرغ للعمل في إندونيسيا للحصول على المال الكافي للإنفاق على التعليم الممتاز الذي تريده لابنها، ولكي تعمل وتحصل على راتب مناسب كان عليها أن تواصل دراستها لنيل درجة علمية. وفي عام 1972 التحقت بابنها في هاواي وظلت هناك أثناء فترة دراسته المتوسطة، ثم عادت إلى إندونيسيا لإجراء دراسات ميدانية أنثروبولوجية، قبل أن يلتحق أوباما الصغير بالمدرسة العليا بوقت قصير، حيث فضل عدم العودة مع والدته لإندونيسيا والعيش في هاواي مع جديه واستكمال دراسته. تقول المؤلفة إن كافة الروايات حول نشأة أوباما وتأثير أمه عليه لم تكشف عن وجود أي نوع من المشكلات بين "باري"، اسم التدليل لأوباما، وبين أمه، لكن كانت هناك إشارات في رسائلها إليه وإلى والديها تكشف عن حزنها بسبب بعده عنها. فقد حزنت في قرارة نفسها على القرار الذي اتخذه ابنها بمغادرة هونولولو والاستقرار في شيكاغو وترسيخ جذوره في أوساط السود هناك". كانت تلك الخطوة من جانب أوباما سبباً للخلافات القليلة بينه وبين والدته، والتي كانت تتشوق إلى علاقة أكثر قوة ومتانة مع ابنها الذي قدر له بعد عقود قليلة أن يصبح أول أميركي من أصل أفريقي يصل إلى البيت الأبيض. سعيد كامل ------ الكتاب: امرأة فذة... القصة غير المروية عن أم باراك أوباما المؤلف: جاني سكوت الناشر: ريفر هيد تاريخ النشر: 2011