تعد مراكز البحوث جزءاً من هيئات المجتمع المدني، وهي مؤسسات عامة من شأنها إصدار البحوث الموجهة نحو السياسات والاستشارات والتحليلات. وينتشر اليوم ما يزيد على 5500 مركز بحثي مهم في 169 دولة، حيث تمثل أميركا الشمالية مقراً لنحو 34 في المئة من مراكز البحوث في العالم، متبوعة بأوروبا الغربية وآسيا، بينما تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يقارب 5 في المئة من ذلك العدد. لكن ما برحت الهيئات البحثية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتل مرتبة أدنى قياساً إلى مثيلاتها في أنحاء العالم، سواء من حيث عددها، أو تأثيرها، أو استقلاليتها، أو إنجازاتها. وفي كتابه الذي نعرضه هنا، يرى الدكتور جيمس ماكجان، الذي سبق أن عمل في مناصب قيادية بعدد من هيئات ومراكز الدراسات والبحوث الأميركية، أنه لكي تصبح المؤسسات البحثية فاعلة حقاً، ولكي تغطي جمهوراً أوسع، يتعين عليها أن تعمل على تطوير أساليبها في النشر، وتعزيز إمكاناتها البحثية، وتوفير الفضاء القانوني والسياسي اللازم لأداء مهامها. كما يقترح بناء شبكة إقليمية لمراكز الأبحاث على مستوى مجلس التعاون الخليجي، ويرى أن بناء جبهة شراكة مع المراكز الأميركية سيعزز القدرات والإمكانات الذاتية لكل مركز خليجي، ومن ثم يحقق الأهداف الجماعية بعيدة الأمد لدول التعاون قاطبة. وفي هذا الخصوص يقول المؤلف إن الدول الأعضاء في مجلس التعاون تتشارك الاهتمام بعدد من القضايا السياسية يمكن إجمالها في إيجاد السبل نحو تطوير اقتصاداتها وتنميتها، وضمان الأمن فيها على المدى البعيد، وبناء المجتمعات المستدامة بيئياً. كما يمكن للمؤسسات البحثية التي دخلت في علاقات عمل مع منظمات المجتمع المدني المحلية، أن تنتفع من أية شراكة تقيمها على المستوى الإقليمي والعالمي، من خلال توسيع دائرة تأثيرها وتواصلها، من حيث حجم جمهور القراء والمتابعين، وتعاظم الخبرات التي تكتسبها في مجالات البحث. وهنا يوضح المؤلف الدور الذي يمكن أن تلعبه مراكز البحوث، قائلاً إنه لم يعد خافياً وجود سلسلة طويلة من المسائل الأمنية، العالمية والإقليمية، التي يمكن أن تشغل بال دول مجلس التعاون، وصولاً إلى إدامة السلم والأمن اللذين استطاعت بلدان الخليج ضمانهما خلال السنوات الثلاثين الفائتة. وكنموذج لمؤسسات البحث الخليجية التي استطاعت توسيع دائرة تأثيرها من خلال إقامة برامج، والدخول طرفاً في شراكات دولية، يستعرض الكتاب جانباً من جهود وسياسات "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، قائلا إنه بات يشكل موقعاً مثالياً لإقامة منظومة تعاونية في إطار مجلس التعاون، ولتولي زمام القيادة إقليمياً في هذا الشأن. فهو مركز يمتلك امتداداً وحضوراً مؤثرين إقليمياً، ويستضيف بصورة منتظمة الكثير من الباحثين وصنّاع السياسة، سواء من داخل المنطقة أو من الولايات المتحدة الأميركية؛ ويتميز بنشاطاته البحثية القوية. وعلى حين أن نموذج الشراكة النهائي قد يكون خليجي الاختصاص، وقد لا يتبع أياً من أنماط شبكة السياسة العالمية القائمة، فقد يتشابه نموذج الشراكة الأميركية الخليجية مع الشراكات الحديثة كما يعرض المؤلف بعضها، مثل: "مركز مؤسسة اليابان للشراكة العالمية"، و"مؤسسة الولايات المتحدة -اليابان"، و"منظمة اليابان للتجارة الخارجية"، و"مركز اليابان للتبادل الدولي"، و"صندوق مارشال الألماني"، و"شراكة الناتو من أجل السلام". ويتركز المقترح الذي يقدمه المؤلف لتعزيز علاقات الشراكة بين مراكز البحوث الخليجية والأميركية، على الحاجة إلى بناء شبكة إقليمية لمراكز الأبحاث على مستوى مجلس التعاون الخليجي، والتي يمكن إدخالها من ثم طرفاً في شراكة عالمية تركز اهتمامها على الولايات المتحدة، والفضاء السياسي في واشنطن تحديداً. ومن خلال استعراض الدراسات والتحليلات التي تجريها المؤسسات البحثية في دول مجلس التعاون للأوضاع السياسية والاتجاهات السائدة، يتضح أن عقد شراكة من هذا النوع يمثل حلاً معقولاً ومنسجماً مع الرسالة العامة لدول المجلس، والمتمثلة في تحقيق تعاون واندماج أكبر على الصعيد الإقليمي. ولا ريب في أن مزيداً من التنسيق بين المراكز البحثية البارزة سيقوي مشروعيتها، وسيزيد من تنوع فضاءات التأثير والتواصل لكل منها، بالإضافة إلى أنه سيصب بالتالي في تعزيز عملية التنمية إلى حد كبير في كل من دول المجلس ومنظماتها المدنية. ويوصي المؤلف بأن يدرس المعنيون بصياغة برنامج هذه الشراكة، كل نمط من أنماطها بعناية شديدة، وأن يضم فريق العمل الذي ستناط به هذه المهمةُ شريحةً واسعةً من مراكز البحوث، وأن يصيغ مجموعة من الاستراتيجيات التي يتطلبها بناء الشراكة موضوع البحث بين مجلس التعاون والولايات المتحدة. كما يطالب بتركيز الاهتمام على إنشاء هيكل إداري ومصدر تمويل مستقلين، وصولاً إلى شراكة متعددة التخصصات، تحمل رؤية مستقبلية، وقادرة على استنباط أفكار وأساليب عمل إبداعية. محمد ولد المنى ------- الكتاب: تعزيز علاقات الشراكة بين مراكز البحوث الأميركية والخليجية المؤلف: د. جيمس ماكجان الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2011