في حديث الفلسطينيين عن الحل الممكن لقضيتهم يبدو أنّ هناك متغيرات على الأرض، وحراكاً ثقافيّاً وأكاديميّاً متزايداً، يدفع باتجاه فكرة الدولة الواحدة، التي تشمل كل فلسطين بكل من يعيش فيها. لكن في الواقع فإنّ القوى السياسية الفاعلة، لا تتبنى هذا الحل. وهذه القوى شئنا أم أبينا هي التي قادت المواجهة مع "إسرائيل" ولها فضل النزول من برج التنظير والشعارات إلى الشارع وهي القوى المؤثرة إلى الآن. ونجد في موسوعة "ويكيبيديا" عرضاً لهذا الحل والجدل والتنظيرات حوله، بست لغات مختلفة، وتخلص المادة المكتوبة إلى أنّ هذا الحل "على رغم أنه كثير المناقشة في الأوساط الأكاديمية إلا أنه ليس ضمن البدائل المطروحة في إطار المحاولات الرسمية لإنهاء الصراع". إذا كانت "فتح" تبنت رسميّاً حل الدولتين منذ أمد، فإنّ "حماس" أصبحت تركّز الآن على حل دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع ترك الموقف من "إسرائيل" غامضاً. وهذا يعني أن أكبر قوتين منظمتين على الأرض، في فلسطين، لا تعملان لحل الدولة الواحدة حاليّاً. إن أمام حل الدولة الواحدة مشكلات كثيرة، (كذلك أمام حل الدولتين)، ولكنه من جهة أخرى يحل مشكلات كثيرة، للفلسطينيين، فهو يعبر عن الصورة التاريخية للوطن الفلسطيني في عقول أهل فلسطين، فمسألة التخلي عن الحقوق في مدن الساحل الفلسطيني تبدو مرفوضة حتى الآن لكثيرين، كما أنّ حل الدولتين، خصوصاً مع التوجه لفكرة "دولة الأمر الواقع"، لا يُقدم حلًا واضحاً لمشكلة شريحتين فلسطينيتين مهمتين، أولاهما اللاجئون، وثانيتهما فلسطينيو عام 1948، الذين تستمر المحاولات الصهيونية لتقزيم وجودهم نوعاً وكمّاً في بلدهم. ولحل الدولة الواحدة أسس أيديولوجية وفلسفة يمكن الدفاع عنها، ومن ذلك أنّ هذه الدولة نقيض للطائفية والتمييز، وضد الفكر الصهيوني العنصري، ويمكن بالفعل صياغة خطاب عالمي بهذا الاتجاه. أضف إلى ذلك أنّ واقع الاحتلال الاستيطاني على الأرض في الضفة الغربية يجعل حل الدولتين صعباً. ولا توجد إلى الآن قوى منظمة فاعلة تتبنى حل الدولة الواحدة، ما يجعله يبدو أقرب للحلم وللأفكار النظريّة منه للمشروع. وهو دعوة لمراجعة حل الدولتين أكثر منه تقديماً بديلاً مبلوراً. وتاريخيّاً كان دائماً هناك مثقفون فلسطينيون يطرحون أفكاراً مهمة وجذابة، ولكن بينما ينجحون في الحديث عن أفكارهم في الإعلام والكتُب، يعجزون عن جعلها مشروعاً شعبيّاً، ويبقون أصواتاً معزولة. نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية في حركة "فتح" قال في لقاء صحافي مؤخراً إنّ الحديث عن دولة واحدة يبدو في كثير من الأحيان، عن دولة إسرائيل التي يعيش فيها الفلسطينيون باعتبارهم مواطنين، لا دولة فلسطين التي يعيش فيها مواطنوها العرب واليهود. وهذه الإشارة محقة، تعكس تبعثر التنظيرات حول هذا الحل، فمن الحديث عن إسرائيل واحدة، إلى فلسطين واحدة، إلى "إسراطين"، إلى دولة ثنائية القومية، إلى دولة بلا قومية. حتى يصبح هذا الحل مطروحاً حقاً، يحتاج لأن تكون له حركة، بمعنى أنّ التنظيرات يجب أن يوازيها ويسبقها ويتبعها ويحيط بها حراك على الأرض لقوى فاعلة تتبنى تصوراً شبه محدد للدولة المقترحة، ولديها برامج عمل يومية في الميدان.