تمثّل خدمات الرعاية الصحية إحدى أهم الخدمات التي توفرها دولة الإمارات العربية المتحدة لسكانها سواء كانوا مواطنين أو وافدين. وفي هذا السياق تشير الأرقام إلى أن الدولة أنفقت على هذه الخدمات نحو 33.7 مليار درهم وبلغ حجم الاستهلاك الدوائي نحو 6.75 مليار درهم في عام 2010، وفقاً لبيانات صادرة مؤخراً عن شركة "ألبن كابيتال العالمية"، وفي المجمل يبلغ الإنفاق الصحي الإماراتي حالياً نحو 4 في المئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بالاعتماد على تقدير "وزارة الاقتصاد"، وينال الفرد نصيباً يقدّر بنحو 2300 درهم من الإنفاق الصحي على مستوى الدولة وفقاً لـ"منظمة الصحة العالمية". وبالرغم من الاهتمام الذي توليه الإمارات للرعاية الصحية، وبرغم أنها أنشأت مظلّة للتأمين الصحي تغطي مجمل سكان الدولة بمختلف فئاتهم، فإن خدمات التأمين الصحي تتعرّض لبعض الممارسات التي تتسبّب في إهدار نسبة كبيرة من الأموال المخصّصة لها، سواء من قبل بعض المرضى المستفيدين من تلك الخدمات، أو من قبل بعض الأطباء والمؤسسات الطبية الخاصة، بما فيها من مستشفيات ومراكز طبية وعيادات خاصة أو حتى شركات تأمين صحي. وفي هذا الإطار تتعدّد مظاهر التلاعب بخدمات التأمين الصحي، كإلزام المريض بفحوصات وعلاجات غير مطلوبة، أو إبقائه في العيادة أو المستشفى لفترات قد لا تكون لازمة في حالته الصحية، أو حتى إجراء عمليات جراحية غير مطلوبة... إلى غير ذلك من الممارسات السلبية وغير المشروعة. وتجتهد دولة الإمارات من خلال المؤسسات الحكومية المشرفة على قطاع الرعاية الصحية في النهوض بخدمات الرعاية الصحية، سواء بتخصيص المزيد من الاستثمارات أو استقدام أحدث التكنولوجيات الصحية العالمية أو تطوير العنصر البشري من أطباء ومساعدي أطباء وإداريين عاملين في القطاع، وصولاً إلى محاصرة ظاهرة التلاعب بخدمات التأمين الصحي، وفي هذا الإطار فقد ابتكرت بعض الدوائر الحكومية التابعة لـ"حكومة دبي"، مؤخراً، في سياق عملها على صياغة "قانون التأمين الصحي لموظفي الحكومة" بالإمارة أسلوباً جديداً لمحاصرة هذه الظاهرة من خلال ما يسمّى "العميل السرّي"، الذي تقوم فكرته على أن يذهب شخص من طرف الجهات الصحية ذات الدور الرقابي في الإمارة للطبيب بدعوى المرض، وفي هذه الحالة سيكون الطبيب قد وضع في حالة اختبار، يسهل في ظلّها تعرّف مدى التزامه، ومن ثم تطبيق العقوبات الواجبة على الأطباء غير الملتزمين في حال تمّ اكتشاف تلاعبهم، وتبدأ العقوبات التي يمكن أن تطبّق عليه وفقاً لحجم المخالفة من وقف التعامل مع الطبيب من قبل مؤسسات التأمين الصحي، وتنتهي بوقف الطبيب عن العمل وإلغاء ترخيصه وإلغاء ترخيص المنشأة، وقد يصل الأمر إلى الإحالة إلى القضاء. وعموماً فإن فكرة "العميل السرّي" هي آلية مبتكرة يمكن أن تلعب دوراً مهماً في محاصرة ظاهرة التلاعب بالتأمين الصحي، التي من شأنها إهدار أمواله والضغط على ميزانية القطاع الصحي وبالتالي على الموازنة العامة للدولة، ولا يقتصر الأثر السلبي لمثل هذه الممارسات عند هذا الحد وإنما يمكن أن تلحق الضرر بصحة المرضى وقد تودي بحياة بعضهم أحياناً، ما يضرّ بالمورد البشري ويهدّد استقرار المجتمع وأمنه.