المشهد الإماراتي الداخلي يستحق الوقوف والتأمل وإعطاءه الاهتمام الكثير، وعندما نتناول ما حدث ويحدث يجب أن نتكلم عنه من دون عقد أو تعقيدات، من دون فلسفة أو مزايدات، من دون تورية أو مجاملات، ومن دون أن نقفز على الحقائق أو نسمي الأمور بغير مسمياتها.. فما يحدث أمر جديد وغريب وقد يكون نتيجة لتطور الدولة سياسياً واجتماعياً وثقافياً. ونذكّر بأصل الحكاية، وهي أنه ظهرت فئة تريد أن تركب موجة التغيير والثورات العربية، تقول إن لديها حلماً، فعبرت عن رأيها ودونت مطالبها، ورفعت صوتها بما تريد، لم يحقق هؤلاء مطالبهم ففي منتصف الطريق -بل في بدايته- انحرفوا وأخطؤوا في اختيار عباراتهم وكلماتهم وشعاراتهم واستعجلوا في قطف ثمار شجرتهم التي لم تزرع بعد!، فأخطؤوا وأخطؤوا، وبدل أن يصححوا خطأهم وبدل أن يعتذروا عما بدر منهم، أصروا على ما فكروا فيه وما قالوه وما رددوه. اليوم يكتشف هؤلاء الخطأ الذي وقعوا فيه والفرصة التي أضاعوها بسبب قصر نظرهم وضيق أفقهم وسوء نياتهم، حاول أولئك أن يشقوا الصف الإماراتي لكنهم فشلوا من جديد، ومن وقف في وجههم هذه المرة بقوة هم أبناء الإمارات الذين عرفوا خطر ما يقوم به أولئك. وببساطة أهل الإمارات التي يعرفها البعيد والقريب وبعفوية أبناء هذه الأرض خرجت القبائل لتعلن رفضها لما بدر من فئة عبثت وأساءت، وطالب أبناء الوطن من خلال قبائلهم بمحاسبة من يريد السوء بهذا البلد.. وأُجهضت مخططاتهم في مهدها، فلم تعد لها فرصة القيام مرة أخرى. شعب الإمارات طول تاريخه كان متلاحماً مع أرضه ومع قيادته ويصبح ذلك أكثر وضوحاً في وقت الشدائد والمحن ويذكر الجميع آخر التحديات الحقيقية التي واجهتها المنطقة قبل عشرين عاماً عندما غزا صدام الكويت وهدد بدخول باقي دول الخليج، فخلال أيام قليلة كان أبناء الإمارات في معسكرات الجيش يتدربون على القتال والدفاع عن النفس وحماية البلد، وما يحدث اليوم من التفاف من قبائل الإمارات حول قيادتها وتجديد الولاء لها، والتعهد بالتمسك بالدستور والالتزام بالقانون أمر لا يثير الاستغراب، فهي ردة فعل طبيعية على ما قامت به تلك الفئة من تهديد جدي ومباشر لاستقرار البلد، فقامت القبائل بدورها وبتحمل مسؤوليتها. ما يبدأ بشكل خاطئ ، يأتي بنتائج سلبية وعكسية، فهؤلاء الذين قاموا بتلك التحركات لا هم حققوا هدفهم، ولا هم استطاعوا أن يستمروا في مطالبهم -بعد أن اختلط الحابل بالنابل- ولا هم تركوا الآخرين يقومون ويطالبون بتلك الأمور، لأن الوضع أصبح حساساً جداً والمطالبة بما طالب به العابثون هي مطالبة بتأييدهم وهو وقوف إلى جانبهم، وهذا ما يرفضه العاقلون. الفريق ضاحي خلفان طالب في مقال طويل في الأسبوع الماضي ببعض الأمور التي طالب بها بعض أولئك فيما يتعلق بالمجلس الوطني الاتحادي وضرورة تطويره وزيادة صلاحياته، لكن الفرق كان واسعاً شاسعاً وواضحاً بين كلامه وكلام الفئة العابثة، لدرجة أنه عندما حاول بعض أولئك أن يلصقوا أنفسهم بضاحي خلفان لم يستطيعوا، وعندما أرادوا أن يختبئوا تحت عباءته لم يسمح لهم بأن يقتربوا منه.. فالبدايات مختلفة والقواعد مختلفة والأهداف مختلفة وحتى لغة الحوار مختلفة.. إننا بحاجة إلى أصوات العقلاء، وعقل الكبار فمهما اختلفنا مع هؤلاء سنبقى متفقين على الحوار. أما المثقف الإماراتي فواضح أنه يعيش حالة من الربكة والتردد لم تمر عليه من قبل، فبين أحلامه وطموحاته، وبين مواقفه الوطنية التي يجب أن تكون واضحة لم يستطع بعض المثقفين والكتاب أن يخرجوا من حالة الدهشة والصدمة مما يرونه، فقد جاء من يختطف حلمهم القديم وتطلعاتهم المستقبلية في هذا الوطن، فأصبح عليهم في هذه اللحظة أن يحددوا موقفهم، إما أن يكون المثقف مع من طالب بتلك الحقوق -ولكن بطرقته الخاصة، ومن الواضح أنها طريقة خاطئة- أو أن يقف ضد أولئك ويكون بذلك كمن يناقض نفسه، فبين متطلباته ومطالباته ورغباته، وبين عدم السماح للمتسلقين بخطف تلك المطالب توقف البعض... ولا يبدو أن لهذا التردد ما يبرره، لأن المعيار الذي يجب الاعتماد عليه وقياس مواقفنا حوله والبوصلة التي تحدد لنا الاتجاه الصحيح هي شيء واحد إذا عرفناه تخلصنا من الحيرة والتردد والضبابية وهو أن نكون كما نحن دائماً، مع الوطن، فعندما نكون مع الوطن ومعيارنا هو حب الوطن ومصلحته، فذلك يعني أننا مع الحق وفي الطريق الصحيح. يبقى الشيء الذي لا نقاش فيه أن ما يطلبه الوطن هو الشيء الأهم والشيء الذي لا جدال حوله، وأكثر ما تحتاج إليه الإمارات بعد تكاتف أبنائها هو استمرار الاستقرار والأمان والتلاحم المجتمعي والسلام الاجتماعي، وما يحدث هذه الأيام وما يصدر عن فئة من المواطنين يضرب في أساس هذا الوطن، وحتى إن كان عدد هؤلاء صغيراً أو تأثيرهم محدوداً، إلا أن استمرار ممارساتهم المثيرة للفتن، يعني وجود مشكلة... وبالتالي يعني ضرورة معالجتها، لكننا يجب أن نعمل على حلها بالعقل والهدوء وبالحكمة الإماراتية التي تربينا عليها بحيث نحافظ على تماسك مجتمعنا ونحمي أبناءنا من التورط في أجندات يتبناها أشخاص لا يعرفون أو يعرفون مدى خطورة ما يحملونه وما يسعون إليه.