اللامبالاة التي استقبل بها خبر مقتل بن لادن هنا في العالم العربي لم يكن مفاجئاً نظراً لأن معظم الناس في المنطقة لم يكونوا يعتبرونه واحداً منهم. بل على العكس، إذ كان ينظر إليه باعتباره صنيعة أميركا، وبالنسبة للبعض في السنوات الأخيرة كان شبحاً أميركياً طفا على السطح قصد تبرير السياسات الأميركية والوجود العسكري الأميركي في المنطقة. وما تفاصيل حياته الأخيرة، في منزل مريح على أطراف المدينة في بلد يفترض أنه متحالف مع الولايات المتحدة، إلا دليل إضافي بالنسبة للمؤمنين بنظرية المؤامرة على أنه كان في حماية أميركية وأنه قُتل عندما لم يعد يخدم أي هدف. غير أن معظم الناس، وليس المؤمنين بنظرية المؤامرة فحسب، كانوا يرون أنه ليس ثمة في الواقع أي شيء عربي أو إسلامي حقاً في ما يفعله بن لادن. ولذلك، فقد كانت صدمة حقيقية عندما تمكن بن لادن، بعد الحادي عشر من سبتمبر، من تمييز العرب والمسلمين في الخيال الأميركي، في وقت كان فيه الكثيرون يتوقعون العكس: أن ضربات "القاعدة"، الذي اكتوى بنارها العرب والمسلمون أنفسهم من قبل، ستشكل بدلاً من ذلك فرصة للأميركيين لينظروا إلى العرب والمسلمين باعتبارهم ليسوا كتلة واحدة متآلفة وباعتبارهم أناساً تجمعهم بهم قواسم مشتركة. ولكن ومثلما عرف العرب والمسلمون في المهجر بعد ذلك، اعتبر البعض بن لادن صنيعة عربية ومسلمة؛ وأضحى العدسة التي أصبح يُنظر إليهم - بل وحتى إلى الأميركيين العرب والمسلمين - منها من قبل الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا. وهكذا، أطلق وصول بن لادن النهائي إلى الساحة العالمية مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر عهداً من الإسلاموفوبيا (أو الخوف من الإسلام) والعداء للمهاجرين في الولايات المتحدة لم يكلفا الناس شعورهم بالانتماء فحسب، وإنما وظائفهم وحريتهم وأنواعا أخرى من حقوق الإنسان أيضاً. خبر موت بن لادن استقبل بأمل كبير في أن تكون نهايته نهاية لتلك الفترة من قبل أولئك الذين تحملوا الكراهية والارتياب. وبالنسبة للعالم العربي، فإن موت بن لادن ليس سوى تأكيد وتكريس لخبو أهميته، في وقت حجب فيه ربيع عربي جديد اسمه، ودحض الوعود الفارغة لفلسفة "القاعدة". ولذلك، فهناك إحساس بأنه مع موت بن لادن أخذ العالم أخيراً يتقدم إلى الأمام طاوياً صفحة مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وعللها. بيد أن طي تلك الصفحة بشكل نهائي ليس سهلًا سهولة دفن جثة في قعر بحر العرب؛ إذ مازالت ثمة حاجة إلى تأمل تركات مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. وهنا في العالم العربي، من الواضح أن من بين كل الأحداث التي جاءت بعد الحادي عشر من سبتمبر، فإن غزو العراق هو الموضوع الذي مازال يسبب الغضب والحسرة حتى عندما لا يأت أحد على ذكره. إن الأزمة التي خلقها التورط الأميركي في العراق في مصداقية الولايات المتحدة ونزاهتها لم تصبح بعد خبراً قديماً. وعلاوة على ذلك، فإن أنصاف الحقائق، وأنصاف الحقائق الصارخة، والتحالفات المتغيرة وقصيرة النظر التي اختلقت المشروع العراقي تمكن في النهاية وتؤيد مرونة مماثلة (ومألوفة) مع الحقيقة هنا - مرونة يسعد المنخرطون في الوضع القائم باستغلالها واغتنامها. وعندما يبدو أن العراق موضوع لا صلة له بالسياق، فإنه يشار إليه في حوارات تختتم، ولكن الكثير منه يظل غير مقنع وغير قاطع. (ربما يكون المحتجون في المنطقة عملاء لبلدان أخرى؟ هل الولايات المتحدة هي التي تقف وراء هذا؟ لماذا لا تفعل الولايات المتحدة ذلك، هي التي قامت بغزو بلد آخر في المنطقة وتسببت في الفوضى هناك؟ كيف لنا أن نعرف أن ذلك ليس هو ما يحدث هنا؟). عدم الإقناع والقطع هذا يناسب ويخدم مصلحة عدد من الناس، من أولئك الذين يحرسون سلطتهم وثروتهم إلى أولئك الذين يكرهون التخلي عن الأمن الذين لديهم ويرون أنه عصي على أولئك الذين يوجدون على الجانب الآخر من الحدود في العراق. وبالتالي، فإن التجاهل والتغاضي أسهل من الناحية السيكولوجية، إذا أمكن تبريره على نحو ما. كل هذا أدى إلى ربيع ضبابي جداً في العواصم العربية المجاورة. إن رد الفعل الأميركي المتناقض على الأحداث في سوريا وليبيا، يؤشر إلى أن الولايات المتحدة نفسها ليست عازمة (بشكل خاص) على التقدم وطي صفحة الماضي بخصوص الطريقة التي تنظر بها إلى الشرق الأوسط – باعتباره ليس أكثر من ساحة لعب بالوكالة أو مضخة نفط. وبالطبع، فإن الأمر منوط بالناس في العالم العربي ليحددوا بأنفسهم ما سيحدث لاحقاً، ومن ذلك اختيار ما يصدقون وما إن كان مهماً فعلاً بخصوص كيف يرسمون مستقبلهم. ولكن من الواضح أن جرائم الحادي عشر من سبتمبر والمرحلة التي تلتها لم تصبح وراءنا بعد؛ غير أنه ربما توجد في ممات بن لادن فرصة للانكباب على مصالحة لكل ما حدث بعد هذه الأحداث المأساوية، وذلك لما فيه مصلحة للناس في العالم العربي، وكذلك مصلحة الأميركيين ورفاهيتنا الوطنية التي مازالت تعاني من غياب محاسبة حقيقية. علياء مالك كاتبة أميركية من أصل سوري، مؤلفة كتاب "بلد يدعى أميركا" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"