عام 2006، نقلت هولندا سكانها كلهم - الكبار المرضى، والصغار الأصحاء على حد سواء، إلى نظام جديد للرعاية الصحية كان مختلفاً تماماً عن النظام الذي سبقه. وهذا النظام المعقد المتعدد وسائل الدفع كان يتكون من ثلاثة عناصر رئيسية: العنصر الأول - يهدف لضمان المساواة - وكان يتضمن تطبيق نظام للدفع يتم تحديده على أساس نسبة المخاطرة لكل شخص من الأشخاص، وتدفع قيمته من قبل جمعية وطنية للضمان الاجتماعي، لكي تضمن أن مبلغ إيصال الدفع لكل شخص سوف يجعله -أو يجعلها - جذاباً لشركات التأمين الخاصة التي قد تتردد عن توفير الخدمة في حالة المبالغ الضئيلة. العنصر الثاني يهدف لضمان المنافسة على السعر وعلى الجودة ، وذلك من خلال السماح للناس بأن يتجمعوا معاً في "جماعيات"( قائمة على أساس المنافع ـ أو يتم تنظيمها على الإنترنت) للتفاوض مع شركات التأمين على السعر، والخدمات الإضافية التي يمكن الحصول عليها (علماً بأن الخدمات الأساسية محددة من قبل القانون). العنصر الثالث للتأكد من أن شركات التأمين الخاصة تخدم المصلحة العامة، ويركز على إجراء عملية تنظيم دقيق لعمل شركات التأمين، ويشمل ذلك إدخال مادة تنص على ضرورة قبول تلك الشركات لطلبات جميع المرضى، حتى لو كانت تلك الطلبات مقدمة عند أبواب غرف الطوارئ في المستشفيات. وقد اضطلع الهولنديون بذلك التغيير الجذري لأنهم كانوا يدركون جيداً أن التاريخ قد تغير. فمثلها مثل غيرها من الدول الأوروبية الصغيرة، أدركت هولندا أن المنافسة العالمية، وصعود آسيا على الساحة الدولية تشكل تهديداً جدياً لبقائها الاقتصادي، وأن المنافع والمزايا التي كانت توفرها ضمن نظام دولة الرفاه لم تعد قابلة للاستدامة. معظم المسؤولين الهولنديين الكبار سعداء بالنظام الجديد. فالزيادات المستمرة في التكلفة توقفت، أو كادت، كما أن آلية ربط تعديل التكلفة وفقاً للخطر، قد نتج عنها أن شركات التأمين التجارية قد باتت تلجأ إلى استخدام اللوحات الإعلانية لاجتذاب المواطنين المرضى بعد أن كانت لا تبدي اكتراثاً كبيراً بهم وفقاً للنظام القديم. من ضمن تلك الإعلانات على سبيل المثال إعلان يقول" هل تعاني من مرض السكر؟...إذن أحصل على ضمانك الصحي من عندنا". وعلى رغم وجود المشكلات التي بقيت من دون حل، يفاخر الهولنديون بأنه قد بات لديهم نظام متوازن يقوم على المسؤولية الفردية والجماعية، وقابل للاستدامة لعدة عقود قادمة في المستقبل. ومن المعروف أن عنصر الاستدامة المالية، أي قدرة دولة ما على استمرار الإنفاق على نظام صحي معين تعد نقطة مركزية في دائرة اهتمام أي حكومة غربية. وفي هذا السياق، أدلى مسؤول صحي نرويجي خلال اجتماع عام، بحديث في معرض تناوله للنظام الصحي المطبق في بلده، والممول بشكل كامل من قبل الحكومة قال فيه:"إن نظامنا الصحي الحالي الممول بشكل كامل من الحكومة ليس قابلاً للاستدامة". وتبدو أهمية هذا التصريح، إذا عرفنا أن النرويج دولة منتجة للنفط، وليس عليها أي ديون خارجية، وأنها تقوم باستثمار الأموال التي تحصل عليها من تصدير النفط في صندوق استثمار قومي خاص، بلغت جملة الأموال المودعة فيه 400 بليون دولار (لعدد سكان لا يتجاوز 5 ملايين نسمة) لمواجهة الالتزامات الصحية والتقاعدية لمواطنيها في المستقبل. من العناصر المهمة بالنسبة للولايات المتحدة عنصر الثقة، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالاستعداد للثقة في القرارات الصادرة من الحكومة الفيدرالية. ومما يمكن قوله في هذا السياق إن كل طرف من أطراف السجال العام حول هذه المسألة كان أقل من أن يوصف بأنه أمين. فـ"الديمقراطيون" من جانبهم، حققوا منافع سياسية من وراء ذلك السجال، من خلال القول بأنه من غير الممكن الثقة في قيام الحكومة الفيدرالية برفع قيمة إيصالات التأمين الصحي، عندما تزداد تكلفة الرعاية الصحية في أي وقت في المستقبل.. وهو ما كان يعني تحميل تلك التكاليف على ميزانيات الأسر الأميركية المثقلة بأعباء تفوق طاقتها. وهم يرون أيضاً أن شركات التأمين الخاصة سوف ترفع أسعار الرعاية الصحية كي تحاول خداع كبار السن والمسنين بشأن نوعية الخدمات التي تقدم لهم. و"الجمهوريون" من جانبهم يرتكبون الخطايا الكلامية ذاتها التي ارتكبها "الديمقراطيون"، فهم يرون أنه لا ضير من الثقة في قدرة الحكومة الفيدرالية على إبقاء إيصالات الضمان الصحي عند مستويات معقولة وخصوصاً فيما يتعلق بالمرضى المسنين. ولكنهم يرون أن هناك ضيراً في الثقة في قدرة الحكومة الفيدرالية على اتخاذ قرارات ترشيدية من خلال لجنة معينة من قبل الرئيس الأميركي. معنى ذلك أن "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" على حد سواء باتوا لا يثقون في الحكومة الفيدرالية - إلا عندما يتعلق الأمر بتحقيق مقترحات ومطالب الطرف الآخر. كما تبين التجربة الأوروبية في الضمان الصحي، فإن العالم تغير منذ 1965 عندما تم تفعيل نظام الرعاية الصحية للمرة الأولى. وهناك في الوقت الراهن حاجة ماسة لرسم سياسة فعالة لتقليص الاستنزاف طويل الأمد الذي تفرضه الالتزامات الصحية على دخلنا القومي، وكفاءتنا القومية. والحقيقة أن موعد التوصل لمثل هذه السياسة قد فات منذ زمن طويل. ولإصلاح الأمر، ووضع تلك السياسة في نصابها الصحيح، من الضروري بل من الحتمي أن يركز السجال الدائر حول الرعاية الصحية في الوقت الراهن على الحقائق وليس المبالغات التي لا جدوى من ورائها. ------- ريتشارد سالتمان أستاذ السياسات والإدارة الصحية بجامعة إيموري ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"