قد يبعث مقتل "بن لادن" وآثاره الإعلامية والأمنية، برسائل كثيرة في أميركا أو باكستان، ناهيك عن الخليج أو غيره من مناطق العالم، لكن الكثيرين لا ينتبهون إلى ما يثار حول "القاعدة" وبن لادن" في الشمال الأفريقي منذ فترة، ومن ثم صلة ذلك بنشاط عسكري أميركي في أفريقيا يعرف بتطور دور "أفريكوم" "القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا" واحتمالات استقرار هذا الكيان العسكري في ليبيا مثلًا إزاء فشله في الاستقرار حتى الآن في أية عاصمة أفريقية. وليس جديداً ما ذكر عن إعلان نشاط "القاعدة" في بلاد المغرب وما ارتبط به من قلق في الجزائر تارة، وموريتانيا والمغرب تارة أخرى. وكان ذلك كله مرتبطاً بالملاحقة الواسعة في دول الصحراء الغربية، لكن كان الجديد نسبياً صرخات العقيد القذافي في أزمته الأخيرة طوال الوقت عن دوره في مواجهة "القاعدة"، وإغراء الغرب بالوقوف إلى جانبه هو، ثم نكتشف في الكتابات الموالية له حول الموضوع مؤخرا أن "العقيد قد حذر الأميركان من نشاط "القاعدة" في أفريقيا منذ عام 1998". وها نحن نقرأ تصريحات عن بعض قادة انتفاضة ليبيا يطلبون من الأميركان "قتل" القذافي على نحو ما فعلوا مع بن لادن"! الأهم في هذا الصدد أن هيئة "المحكمة الجنائية الدولية، سوف تجتمع في كمبالا (أوغندا) خلال مايو الجاري، وعلى جدول أعمالها، بحث التعاون مع "الأفريكوم" لمعاونتها في "جلب مجرمي الحرب في القارة"، وأظن أن لذلك صلة قريبة من إعلان المحكمة. ملاحقتها للعقيد القذافي نفسه في وقت قريب. ونحن لا نعالج هنا الموقف شديد التدهور في ليبيا، وحالة "الطحن" المتبادل للبشر والحجر على أرض هذا البلد دون أفق معين، ولا نلحظ بألم إلا لغياب أي دور عربي "تفاوضي" أو "تدخلي" خارج إطار "الناتو"الذي يبدو أنه تحكمه صراعات داخل الغرب نفسه. لكن يبدو أيضاً أن صراعاً آخر في "هذا الغرب" منعكس في صراعه مع "الشرق" الذي تتقدمه الآن المصالح الصينية الأكبر في ليبيا. على المستوى الأفريقي، ثمة ما يدعو لتأمل الجديد الذي يجب أن تتعرف عليه الدبلوماسية العربية، ويتعلم منه دارسو العلوم السياسية. تزعج أخبار تعاون المحكمة الدولية الجنائية مع إدارة "الأفريكوم" في أفريقيا كثيراً من المفكرين الأفارقة، وطبيعي أن تزعج بعض السياسيين! فالمحكمة لاحقت خلال عملها منذ 2002 حوالي ثلاث عشرة حالة جميعها في أفريقيا! ولم تٌحضر لمنصتها إلا أربع حتى الآن. ويمثل غياب الباقين عن منصتها لظروف مختلفة اضطراباً في الموقف والسياسات الأفريقية. وبوضع "القذافي" تحت طائلة "سخافات أوكامبو"، فإن الموقف سيضطرب أيضاً على المستوى العربي وأفريقيا معاً، بما لا يجعل العالم الثالث- حتى مع قتل بن لادن- يعرف الراحة! يندهش الكثيرون من تطلع إدارة هذه المحكمة للتعاون مع "الأفريكوم"، مع تسجيل صعوبات تعاونها مع آخرين- دون إدراك لمخاطر ربط القرار "الدولي" بسياسة عسكرية "لدولة عضو في الأمم المتحدة" لا تعترف أصلًا بقرار إنشاء "المحكمة الدولية" المذكورة، وهى الولايات المتحدة الأميركية؟ ومن ثم لم تنضم إليها! وفيما بين مارس وأبريل 2011 تسجل كتابات مهمة تصريحات لمسؤولين أميركيين؛ وسياسيين، عن "المرحلة الجديدة" "للأفريكوم" والتي تنشد فيها التعاون مع المحكمة الجنائية على المستوى الأفريقي، وأكد الكونجرس ذلك بقرار مساعدة المحكمة مالياً. ومعنى ذلك أن ثمة تمهيداً مبكراً لتنشيط دورها في الشمال الأفريقي الذي تزايدت فيه التصريحات خلال الأشهر الأخيرة عن عمليات "القاعدة" في دول المغرب العربي! وحتى القذافي يطرح نفسه- منذ بدأت الانتفاضة هناك- كمتعاون مع خطة الأميركان- والأفريكوم أداتهم في القارة- في مواجهة "القاعدة"، التي يبدو أن أهميتها- بعد مقتل بن لادن- ستنتقل من آسيا، وحتى العالم العربي- إلى أفريقيا. يلاحظ بعض الكتاب الأفارقة، أنه رغم الدور الفرنسي الخاص في واقعة محاصرة "جباجبو" في ساحل العاج "وجلبه إلى الشوارع" بحماية فرنسية للعملية، فإن دور قوات "الأفريكوم" لم يكن غائباً عن الواقعة، وأن التعاون الأميركي الفرنسي عبر "الأفريكوم" يشكل مرحلة جديدة في علاقة الصراع- التعاون- بين الفرنسيين والأميركيين في القارة، وهذه رسالة أخرى عن تشابه الموقف إزاء ليبيا. كُتَّاب آخرون يرون أن الأصل هو "الصراع" الفرنسي- الأميركي، والذي لعب عليه أحياناً القذافي نفسه بنشاط ملموس له في منطقة "الفرانكفون" الأفريقية بما لم يكن مرضياً لفرنسا! لكن التطور يجمع الصراع والتعاون في سلة معروفة عن آليات "الحرب الباردة"، مخففة على الجانب الغربي، لكنها تشتد طبعاً تجاه "الشرق"... وليلاحظ القارئ أنني أكتب "بالفعل المضارع"! ذلك لأن الإشارات عديدة عن استمرار "الحرب الباردة" اليوم بأساليب أخرى، تظهر على سطحها قدرة "الروس" على الإعلام عنها وإن بلا فاعلية، كما يبدو في تصريحاتهم مؤخراً، لكن "الخبث الدبلوماسي" الصيني، ما يزال قابعاً هناك، قلقاً على مصالح اقتصادية كبيرة لم نكن نسمع بها، وإذ بالتقارير تكشف عن تعاقدات صينية في ليبيا حوالي ثمانية عشر مليار دولار في أكثر من خمسين مشروعاً كبيراً! (ولنلاحظ أيضاً أن نفس التقارير ذكرت انخفاض نشاط التعاقدات الصينية مع تطور الموقف في ليبيا مؤخراً إلى النصف تقريباً!). نحن مقبلون إذن على حالة أميركية تكتمل وقائعها العسكرية على أرض القارة الأفريقية وآخرها في ليبيا. ومن المخزي للسياسة الأميركية في النهاية أنها لا تحقق تقدماً كما تتوهم في معظم حالاتها حتى الآن، ولكن المحللين من داخل موقع "الأفريكوم" نفسه، يبدون اهتماماً أكثر بحالة الشمول الكلي للقارة؛ وليس بالأعمال الجزئية التي وقعت في السنوات الأخيرة. ويبدو أنهم محقون، أو قل قادرين على التفاؤل. لأني أتصور أنهم يضمون مجمل أنشطتهم في حوالي عشرين دولة حتى الآن إلى هذا التفاؤل. أما ما يسجل حتى الآن، فهو فشل سابق في الصومال أوائل التسعينيات، ثم فشل في تدريب أوغندا وأثيوبيا للعمل في الصومال نفسه حالياً، هذا فضلاً عن فشل مسجل مع أوغندا في مطاردة "جيش الرب" لشمال البلاد عام 2008. حيث قتل ألف من البشر، وهجر أكثر من ربع مليون مساكنهم، ولم يقبض على "جوزيف كوني" زعيم "الجيش الرباني"، الذي حمل عصاه عبر آلاف الكيلو مترات في الكونجو وجنوب السودان لتأويه في أفريقيا الوسطى وتشاد! وكأن ذلك بعيد عن نظر الملاحقين. قد نرى ذلك فشلًا، لكن بعض الخبثاء يرون في استمرار "التقاتل" هنا وهنالك، سبباً في تطوير العمل العسكري الذي نشأت من أجله "أفريكوم" وغيرها من أشكال التدخل، ليبقى علينا أن نتأمل كيف ستعالج إذن آثار مقتل "بن لادن". هل نتوقع استمرار حالة الاقتتال؟ أم نطمئن مع أوباما إلى قدر من السلام في العالم! وأخيراً... هل نفهم في العالم العربي شيئاً ذا معنى، عند النظر في كل ما حولنا!