يمثل التعامل مع مشكلة التركيبة السكانيّة إحدى الأولويات الوطنية الرئيسيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يعدّ الوصول إلى تركيبة سكانية متوازنة غاية رئيسية تسعى الدولة بقوّة وإصرار إلى إدراكها، وتؤكد التوجيهات الحكيمة والمستمرة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- في هذا الشأن أن هناك إرادة سياسيّة قويّة لتحقيق هذا الهدف تمثل حجر الزاوية في العمل من أجل الوصول إلى تركيبة سكانية تحقق أهداف الوطن وغاياته، وتضمن مصلحة المواطن. وفي إطار اهتمام الدولة بمعالجة التركيبة السكانيّة، وتماشياً مع أهداف استراتيجية التمكين التي أعلنها صاحب السمو رئيس الدولة في عام 2005، فقد أصدر مجلس الوزراء، بداية الأسبوع الجاري، ثلاثة قرارات مهمّة في هذا الشأن، تضمّن القرار الأول تحديد مستهدفات واضحة لنسبة المواطنين في التركيبة السكانية في المجتمع الإماراتيّ خلال الأعوام العشرين المقبلة، عبر تبنّي مجموعة من السياسات والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية، ووضع مجموعة من السيناريوهات البديلة للنمو الاقتصاديّ، وما يتزامن معه من نمو وتطور ديمغرافي على مدار العقدين المذكورين. واحتوى القرار الثاني على اعتماد الدولة نمطاً تنمويّاً متوازناً يتسم بالتنوعّ الاقتصادي، والاعتماد على العمالة الماهرة، ويقضي باستخدام التكنولوجيا الحديثة في الأنشطة الاقتصاديّة، وجاء القرار الثالث ليستكمل مهام القرار الثاني في توجيهه نحو الحدّ من الاستقدام غير المنظم للعمالة الوافدة غير الماهرة، والتركيز على استقدام العمالة الماهرة مع اعتماد مجموعة من المعايير المساعدة في هذا الشأن. إذا كانت التركيبة السكانيّة الحالية، بما تعانيه من عيوب هيكلية، قد نتجت في الأساس عن السياسات المعتمَدة في استقدام العمالة الوافدة على مدار عقود ماضية، فإنّ إعادة النظر في هذه السياسات، وتشجيع القطاع الخاص على تغيير استراتيجيات التوظيف لديه بصفته الموظِّف الأكبر للعمالة الوافدة، يمثلان تغيراً جوهريّاً ستكون له آثار إيجابية كبيرة في تخليص التركيبة السكانيّة من عيوبها، وفي هذا الإطار فقد اعتمد مجلس الوزراء إنشاء "صندوق تحسين الإنتاجية" الذي يختص بتقديم المحفّزات إلى مؤسسات القطاع الخاص لتشجيعها على تقليص استقدام العمالة غير الماهرة، والاقتصار على العمالة الماهرة، إلى جانب الاستعانة بالتكنولوجيا المتطوّرة في القيام بالمهام التي كانت تقوم بها العمالة غير الماهرة، ما سيوسع المجال أمام الكوادر البشريّة المواطنة للمشاركة بشكل فاعل في النشاط الاقتصادي، ويسمو بموقعها في تركيبة القوة العاملة في الدولة، ويعود عليها بالفائدة في موقعها على سلّم التركيبة السكانية الوطنية. يمكن اعتبار قرارات مجلس الوزراء الأخيرة بمنزلة الخطّة الواضحة محدّدة المعالم نحو بناء تركيبة سكانية متوازنة للمجتمع الإماراتي، فهي ترسم الطريق الذي ستتبعه الدولة على مدار العقدين المقبلين عبر إعادة هيكلة التركيبة السكانيّة بما يضمن أن يكون مواطنو الدولة هم النسبة الكبرى فيها، لتحقيق نوع منشود من التوازن الاجتماعيّ يمنح الإنسان الإماراتي فرصة الاضطلاع بدوره في توجيه الموارد الاقتصادية للدولة على الوجه الأمثل، بما يخدم الأهداف والغايات الاستراتيجيّة للوطن، ويضمن في النهاية ارتقاء المواطن الإماراتي على سلّم التطور الاجتماعي والتنمية البشرية العالمية.