دائماً ما يلعب أصحاب الأيديولوجيات الدينية والسياسية في العالم العربي على كسب الكتلة الصامتة غير المسيسة أو المؤدلجة في المجتمع لصالحهم، وتتعدد في ذلك مداخلهم انطلاقاً من أن المجتمعات العربية بطبيعتها مجتمعات متدينة ويلعب الدين دوراً كبيراً في تشكيل عقليتها وطريقة تفكيرها.. ومن هنا جاء مدخل حركات الإسلام الراديكالي إلى عقول قطاعات من المجتمع باللعب على هذه الطبيعة المتدينة ومحاولة كسبها في صفها بناءً على هذا المتغير، فاستطاعت في بعض الأحيان، ولظروف اجتماعية كثيرة، أن تكسب شرائح من هذه الكتلة الصامتة، مدشنة بذلك شكلًا من الاستبداد الديني أكثر خطورة من الاستبداد السياسي، لكون الأخير يمكن الثورة عليه، أما الاستبداد الديني فيكون هناك لدى البعض خوف وتردد في العمل ضده. والسؤال: هل يثور الشباب على السلطوية الدينية بنهج ثورته على الديكتاتورية السياسية؟ خصوصاً أن متغيرات تشكيل العقول خرجت عن نطاق النخب الدينية بسبب الواقع الافتراضي بقدرته على خلق جيل جديد من الشباب غير المقيد بأطر واحدة للمعرفة. ومما يلفت النظر على مدار العقود الماضية أن الإسلاميين كانت لديهم قدرة على تحريك الكتلة الاجتماعية الحرجة والفضاء المجتمعي بأشكال مختلفة لأسباب متعلقة في الأساس بالاستبداد السياسي وضعف وعي المجتمعات تجاه الدين. غير الأجيال الجديدة تزاحم على هذه الكتلة الصامتة: فمنذ انتخابات 2005 في مصر وبداية ظهور حركة "كفاية" في السنة السابقة لها بدأت تخلق لنفسها مجالاً حرجاً وتستقطب فيه فئات عديدة من الشباب ومن القوى الاجتماعية الرافضة لطول فترة الحكم وتوريثه، وقد خلقت ما يشبه الحراك في المجتمع بتحرك النقابات المهنية مثل نادي القضاة وأساتذة الجامعات. وهذا السيناريو المدني للتغيير هو الذي استطاع أن ينجح ثورة الشباب في 25 يناير بالقدرة على كسب هذه الكتلة الصامتة وتحويلها ليس في تحقيق أهداف أصولية أو دينية، وإنما لتحقيق هدف مدني متجسد في إسقاط النظام. وعندما التحق الإسلاميون بالثورة بعد أن نضجت لم يكونوا من صانعيها، فكل الهتافات والشعارات والأعلام توحدت حول هذا الهدف بعيداً عن التوظيفات الأيديولوجية وبالأخص الدينية التي وجدت نفسها وسط الحدث ليست كزعيمة لهذه الثورة كما يريد لها أصحابها، وإنما شأنها شأن كثيرين من أصحاب التيارات الأخرى الليبرالية والسياسية المتفقة على هدف إسقاط النظام… إلا أن الأمور على أرض الواقع بدأت تطرح التساؤل، لمن تكون المكاسب التي فجرتها هذه الثورة الشبابية؟ فعندما لاحت بشائر انتصار الثورة بدأت تظهر ملامح الصراع الخفي لخطف ثورة الأجيال الجديدة من قبل الأصوليين. ويؤكد على ذلك التحول ما حدث يوم 19 مارس الماضي باستخدام متغير الدين من قبل جماعة "الإخوان" والسلفيين في عملية الاستفتاء على تغيير بعض مواد الدستور المصري، من أجل توجيه تصويت الناخبين ليصوتوا بشكل يخدم مصالحهم كنوع من إثبات الوجود، وأنهم أصحاب الثورة حتى لو استعانوا بما ليس شرعيّاً في العملية السياسية بتسخير خطب الجمعة لتتحدث عن حرمة التصويت بـ"لا". والسؤال الآن: هل تنجح ثورة الشباب في أن تجني ثمارها بعيداً عن ثقافة التوظيف الأصولي التي لا تختلف، حتى الآن، في رؤيتها السياسية والمدنية عن رؤية النظم الاستبدادية لقصر نظرها وفرضها الكبت المجتمعي والسياسي باسم الدين على المجتمع؟ أو بمعنى آخر: هل تكون لهذه الثورة فوائدها أيضاً في أن يغير الأصوليون من أفكارهم ويتبنوا أفكاراً انفتاحية تتواكب مع هذه التطورات؟ أم أنهم سيسيرون بنفس أجندتهم الدينية التي ستصطدم بملفات كثيرة داخل المجتمع بالأخص المسيحيين الذين يشكلون 8 في المئة من نسيج المجتمع المصري. عزمي عاشور كاتب مصري ينشر بالتعاون مع مشروع "منبر الحرية"