يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من مايو. الاحتفال بهذه المناسبة أمر محتوم لأصحاب الصحافة الحرة والتي تنطق بما تشاء متى تشاء... في ساحات القتال، وفي مناطق شتى من العالم، صار الصحفي هو الضحية، فأحياناً ما يكون الصحفي من بين المقتولين. الصحافة ليست فقط مهنة البحث عن المتاعب، أو مهنة المتاعب التي تبحث عن المغامرين، بل هي مهنة ذات ضريبة باهظة في بعض الأحيان، يكون ثمنها الروح أو أكثر. وما أكثر من قتل في ساحات الوغى من الصحفيين، وكأن الخوف من حامل القلم والموثق بالصورة، والذي يرصد كل ما يجري أمامه، أخطر من المجرمين وقطاع الطرق أو حتى شذاذ الأفاق. حرية الصحافة التي يحتفل بها العالم المتحضر لا تزال بعيدة، وصعبة المنال في كثير من الدول النامية. مجتمعات تلك الدول لازالت تشق طريقها نحو آفاق الحياه الحقيقية. فما زالت الدول النامية تشكو من تجاوزات صحفييها، وتحول بعض صحفها إلى ساحة علاقات عامة بلا خبر مهني صحيح، والأعمدة صار بعضها عبارة عن ثوب موشى باتهامات ومدائح وتناقضات لا يستطيع العاقل فهمها. كم من السنوات تحتاجها مجتمعات العالم النامي كي تحتفل بصحافة حرة ذات أهداف وخطط واضحة وأقلام مستنيرة قادرة على صناعة الرأي، لا تُؤمر فتطيع، كما هو حال الصحافة في البلاد التي شهدت ثورات. وكأن العالم المتحضر ذو الصحافة الحرة لا يمت- بالنسبة لتلك البلدان- للكرة الأرضية بأية صلة، فالمهم إدراك أن الصحافة الحرة حالة من التحضر الإيجابي، التي تمتص غضب الشارع وتُنفِس عن أوضاع الناس. لكن قيود الصحافة في تلك البلدان، كانت ولازالت في حالة صمت مطبق وكأنها تنتظر سقوط الأنظمة لتغير البوصلة، كما حدث في ثورة مصر التي أسقطت بعض رؤساء تحرير الصحف الذين صمتوا عن الفساد، وتستروا على الظلم والمظالم، التي كانت سبباً رئيسياً في اندلاع ثورة 25 يناير. من حق العالم الحر أن يحتفل بصحافة حرة بلا قيود وبكلمة مضيئه لا تطلب إلا الحقيقه ولا شيء غيرها. حتى وأن كانت كلمة حق يراد بها باطل، فإن الوقت في تلك المجتمعات يكشف المخادعين، ويفضح أصحاب المصالح، ويُعري حضورهم ويتداول القراء حقيقة مواقفهم المراوغة. فالكلمة دواء شاف لكل أدواء المجتمع، والصدق هو أول الحلول للكثير من الأزمات، وربما كان التستر على الحقيقة، هو الذي راكم كل هذا الغضب، الذي جعل الشعوب تنفجر بشكل متتابع. فالاستبعاد الذي يعانيه البعض في صحافة العالم النامي، لا يعني فقط إغلاق الأفواه قسراً، إنه أيضاً مصادرة حق الكلمة واستجلاب المطلبين، ليضللوا الناس ويراوغوا ويلعبوا لعبة مكشوفة في اجتراح الأكاذيب، تماشياً مع أنظمة مستبدة مارست الكثير من القهر ضد مجتمعاتها ومازالت. عامها سعيد الصحافة الحرة، ولعل الأعوام القادمة تأتينا بمبشرات تمنح كثيرين فرصة الاحتفال بعد طول انتظار.