بخلاف الفحوص، والتحاليل، والاختبارات الطبية المعتادة، والهادفة لتشخيص مرض أو علة ما، بناء على الأعراض التي يشكو منها المريض أو العلامات التي يكتشفها الطبيب عند الفحص، توجد طائفة أخرى من الفحوص الطبية، تعرف بالفحوص المسحية (Screening Tests)، تجرى على أشخاص لا يشتكون من أية أعراض أو مشاكل صحية ظاهرة للعيان. وغالباً ما تدرج هذه الفحوصات، ضمن استراتيجية أوسع، تهدف إلى تشخيص الإصابة ببعض الأمراض بين أفراد المجتمع، أو أحياناً طائفة محددة داخل المجتمع، بناء على أن التشخيص المبكر يمنح فرصة تلقي العلاج بشكل مبكر، وبالتالي يزيد من فرص شفاء المعنيين، ويقيهم من المضاعفات التي قد تنتج عن مرضهم، أو ربما تسبب وفاتهم بشكل مبكر. وتعتبر الأمراض السرطانية من أكثر أنواع الأمراض التي تستخدم فيها المسوحات الفحصية، مثل فحص مسحة عنق الرحم للكشف عن سرطان عنق الرحم، أو فحص الثدي بالأشعة (الماموجرافي) للكشف المبكر عن سرطان الثدي، أو منظار القولون للكشف المبكر عن الإصابة بسرطان القولون، أو أحياناً وجود الزوائد اللحمية داخل القولون، التي تعتبر من أهم عوامل الخطر خلف الإصابة بسرطان القولون، بالإضافة إلى الفحص العيادي السريري للكشف عن حالات الإصابة بسرطان الجلد. وتعتبر أيضاً فترة الحمل -والفترة التي تسبقها أحياناً- من الفترات التي تطبق فيها الفحوصات المسحية على نطاق واسع، بداية من تحليل البول الذي يهدف للكشف عن إصابة المرأة الحامل بسكري الحمل، أو التهابات المسالك البولية، أو مرحلة ما قبل تسمم الحمل، مروراً بالفحص الدوري للجنين باستخدام الموجات الصوتية، ونهاية بفحص الدم، أو فحص عينة من السائل المحيط بالجنين داخل الرحم، أو فحص عينة من خلايا المشيمة. وتهدف هذه الفحوص الأخيرة إلى الكشف عن وجود أية عيوب خلقية، أو تشريحية، أو وراثية في الجنين، مثل الشفة الأرنبية، أو "أنيميا" الخلايا المنجلية، أو "الثلاسيميا"، أو التليف الحوصلي، وغيرها من العيوب الخلقية مثل عيوب اكتمال نمو العمود الفقري والحبل الشوكي (Spina Bifida)، أو منظومة "داون" -المعروفة سابقاً بمنظومة العتَه المنغولي- وخصوصاً بين الحوامل كبيرات السن. وقد أصبح من الممكن مؤخراً استخدام الفحوصات المسحية للكشف عن إصابة الجنين بمرض وراثي، حتى قبل أن يتم الحمل من الأساس. وهذا النوع من الفحوصات يقع ضمن عالم كامل من العلوم الطبية و"الجينية" يعرف بالتشخيص قبل الحمل أو (preimplantation diagnosis). وهذا العالم أو المفهوم الجديد يمكن تلخيصه في إمكانية الكشف على الأمراض الوراثية أثناء وجود الجنين في أنبوبة المعمل، وقبل أن تتم زراعته في رحم الأم. ويعتمد هذا الأسلوب في أساسه على فحص الجنين في الأيام الأولى، وربما الساعات الأولى من حياته، وهو لا زال في طبق المعمل قبل نقله إلى رحم الأم، وأحياناً ما تفحص البويضة أو الحيوانات المنوية قبل التلقيح من الأساس. وكما هو واضح فإن استخدام هذا الأسلوب لم يكن ممكناً قبل اكتشاف وتطوير الطريقة التي يمكن بها تخصيب البويضة خارج الرحم، ونزع بعض الخلايا من الجنين المتكون لغرض فحصها، قبل نقله وزراعته في رحم الأم. وبالطبع، يتطلب هذا الإجراء التشخيصي استخدام أساليب التلقيح الخارجي أو الصناعي، ولا يجدي نفعاً في حالات الحمل من المعاشرة الزوجية الطبيعية. ففي حالات الحمل الطبيعي، يمكن للأطباء فقط تقديم المشورة حول احتمالات إصابة الجنين بمرض وراثي أو آخر، وخصوصاً إذا ما كان الزوجان قد رزقا سابقاً بطفل مريض بمرض محدد، ولكن تظل هذه المشورة مجرد احتمالات، حيث لا يمكن للأطباء في أغلب الحالات منح الزوجين إجابة قاطعة، أو مساعدتهما في تجنب الحمل بطفل مريض بنفس المرض. ولكن على رغم الأهمية الفائقة، والتطبيقات الواسعة للفحوصات المسحية، وخصوصاً فيما يتعلق بالأمراض السرطانية، وبفترتي ما قبل الحمل وأثناء الحمل، إلا أن هذه الأهمية والتطبيقات لا تنطبق بالضرورة على جميع الفحوص، حيث يعاني بعضها من آثار سلبية، تفوق ما يحققه من فوائد. وأهم هذه الآثار ربما كان الحالة المعروفة بفرط التشخيص، وهي الحالة التي يتم فيها تشخيص الإصابة (بمرض) لن يتسبب أبداً في أية أعراض طوال حياة المريض، ولن يؤدي إلى وفاته بالتأكيد، وهو ما يعني أن هذه الفحوصات تحول بعض الأشخاص إلى مرضى، يتطلبون علاجاً طبيّاً، قد يسبب لهم أذى أكبر قدراً من المشكلة الأساسية. والعكس أيضاً صحيح، عندما تفشل هذه الفحوصات في الكشف عن خلل أو اعتلال ما، مما يؤدي إلى إحساس كاذب بالأمان، وتجاهل المرض عندما تظهر أعراضه بشكل واضح على الشخص. وأحياناً ما تؤدي هذه الفحوص نفسها أيضاً إلى مضاعفات ومخاطر، كما هو الحال مع فحص السائل المحيط بالجنين، أو فحص عينة من خلايا المشيمة أثناء الحمل. ومثل هذه الجوانب السلبية، تظهر أن استخدام الفحوص المسحية كجرس إنذار مبكر لبعض الأمراض، يبقى سلاحاً ذا حدين، ولذا فلابد أن يستخدم بعد أخذ جميع الاعتبارات في الحسبان، وبعد موازنة الفوائد المرجوة منه، مقابل الأضرار التي قد تنتج عنه.