النهاية المفاجئة لأسامة ابن لادن، لا تضمن للرئيس أوباما فترة رئاسية ثانية، وإن كانت بالطبع تزيح عن طريقه عقبة كأداء. ففي مجال السياسة الخارجية، كان أوباما معرضاً لخطر تولد انطباع دائم بالضعف يلتصق بصورته. فالرجل كان يبدو مقتنعاً بالقيادة من الخلف، بسبب تشككه في الاستثنائية الأميركية، وقبوله بفرضية أفول نفوذ أميركا في الساحة العالمية. الأوامر التي أصدرها أوباما لوحدة "سيلز" البحرية الأميركية الخاصة التي نفذت عملية القضاء على ابن لادن ليست قيادة من الخلف بأي حال، كما لم تتبع في عملها وسائل من النوع الذي يعجب وزير العدل الأميركي "إيريك هولدر"، علاوة على أنها أظهرت مواهب خاصة في قتل أعداء أميركا عبر عملية نفذتها وحدها وصدر الأمر بذلك من قبل الرئيس، وليس هيئة محلفين. وأميركا قد لا تصوت بناءً على إنجازات السياسة الخارجية، لكنها لا تحب في نفس الوقت أن يكون رؤساؤها من النوع قليل الحيلة وسيئ الحظ. وليس هناك شك أن أحداث هذا الأسبوع تمثل نقيضاً موضوعياً لهاتين الصفتين. وبعد أن غنى الأميركيون في الشوارع: أميركا... أميركا!، فقد عادوا إلى منازلهم وهم محملون بالرهونات العقارية، يقودون سيارات بحاجة إلى رهونات جديدة لملئها بالبنزين مرتفع السعر، وينتظرون تعافياً اقتصادياً تأخر كثيراً عن موعده. عادوا إلى منازلهم في مدن دولة تبدو سائرة حتماً نحو أزمة ديون سيادية. الرهان الجمهوري هو أن هذه الأحوال والظروف ستظل هي السياق المتوقع لانتخابات 2012 الرئاسية. وفي المنتدى الأول للموسم السياسي لولاية نيوهمبشاير كان التركيز بالكامل على الاقتصاد، وسياسات الطاقة. في هذا المنتدى حُشرت الطبقة السياسية الجمهورية في الولاية بالكامل، من المؤمنين بالحرية الفردية التابعين لـ"رون بول" إلى المنافحين عن "جون ماكين"... في قاعة واحدة. وخلال المنتدى اختلط أعضاء حركة حزب الشاي النشطين اختلاطاً غير مريح مع أعضاء المؤسسة الجمهورية المخضرمين. لكن في ولاية معروف فيها أن ترديد شعار "فلتعش حراً أو فلتمت" كفيل بنيل عاصفة من التصفيق، قد يصعب على المرء أن يتبين أي فارق أيديولوجي بين المجموعتين. إن ولاية نيوهمبشاير تجسد التحدي الذي تمثله رسالة الجمهوريين بشأن الاقتصاد، خصوصاً وأن صعود حركة الشاي قد أدى إلى تغيير جذري في الحزب الجمهوري بالولاية، وهو تغيير حسم منصب رئيس مجلس النواب ومنصب رئيس الحزب. والنشطاء الأعلى صوتاً للحزب في هذه الولاية ليسوا في مزاج نفسي يدعوهم للتسوية، لكن نظراً لعدم وجود منافسة ديمقراطية في مثل هذا الوقت من العام، فمن المنتظر أن يصوت المستقلون للجمهوريين في الانتخابات التمهيدية. ورغم أن السباق الجمهوري لم يتحول بعد إلى حرب مفتوحة، فإنه يتسم بالحدة والاحتدام. والمنافسة الأولى سوف تدور حول المرشح الذي سيقود التيار العام للجمهوريين في حالة عدم قيام "ميت رومني" بذلك، على أساس أن ترشيح رومني قد لا ينجح في نهاية المطاف لأسباب مختلفة. المرشح الثاني الذي يتصدر الصفوف هو "تيم باولينتي" الذي يعتمد في حملته على سياسة النفس الطويل. ويتمتع باولينتي، في نيوهمبشاير، كما في أيوا، بمنظمة محلية قوية قادرة على اجتذاب الدعم من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي للحزب. وبالإضافة لذلك، حصل "باولينتي" على تأييد من جمهور مانشيستر لاعترافه الصريح بأن الخطة الخاصة بفرض حد للانبعاثات والمتاجرة بفائض الكربون التي يطلق عليها Cap and Trade المدعومة من قبل حاكم مينيسوتا، كانت "غبية". هناك أيضًا منافسة في نيوهمبشاير على من يمثل الصوت المحافظ، والذي سوف تكون احتمالات مكافأته بإجراء حوار مع شبكة "فوكس نيوز"، أعلى من احتمال قيام المرشح الرئاسي ذاته بذلك. في المنتدى الأخير بدا "ريك سانتوريوم" متزمتاً بشأن المسائل الأخلاقية، صلباً ومحنكاً. أما المرشحة "مشيل باتشمان" فلا يمكن اعتبارها محنكة بما يكفي، حيث جادلت أثناء المنتدى بأن الميزانية الفيدرالية يمكن ضبطها خلال عام. ومما قالته أن "الشعب الأميركي ليس عبارة عن مجموعة من الأطفال"، بعد أن ذكرت أمام الجمهور مجموعة من التأكيدات التي يسردها المرشحون عادة بشأن الميزانية والتي لا يمكن أن يصدقها سوى الأطفال! العديد من النشطاء في نيوهمبشاير مازالوا في انتظار مخلّص يمكن أن يغير شكل السباق، وليكن شخصاً راغباً في مطاردة أوباما. بعض الجمهوريين الجادين يتحدثون عن "كريس كريستي" أو "ميتش دانييلز"، لكن الأعضاء الرئيسيين والقادة في نيوهمبشاير، يفكرون في خياراتهم حالياً، ولا يمكن أن يختاروا شخصاً غائباً. لقد انطلق الموسم الانتخابي التمهيدي الجمهوري بخطى بطيئة، سوف تصبح أكثر بطئاً جراء الانتصار الأخير الذي حققه أوباما. لكن إعادة انتخاب أوباما لفترة رئاسية ثانية تتطلب ما هو أكثر من مقتل زعيم "القاعدة"، تتطلب طفرة اقتصادية قادرة على تقويض أقوى الحجج الجمهورية. مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"