تحديات استكمال المهمة الأفغانية... ورؤية تركيا للثورات العربية تداعيات مقتل زعيم تنظيم "القاعدة"، واحتمال تسريعه بنهاية المهمة الغربية في أفغانستان، والموقف التركي من الثورات العربية، موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وأعمدة رأي الصحف الفرنسية. مقتل بن لادن كتب خبير الدراسات الإسلامية الفرنسي "جيل كيبل" مقالاً في صحيفة لوموند قال في مستهله إن الموت الجسدي لابن لادن سبقه بكثير موته السياسي على يد الثورات العربية الأخيرة، التي رفعت شعارات تشير إلى النقيض من إيديولوجيته الراديكالية. ولذا فإن موته يأتي الآن لينهي عقداً مظلماً في تاريخ علاقات العالم العربي والإسلامي، والغرب، وهو عقد أطلقت شرارته هجمات 11 سبتمبر، وأنهته ثورة الياسمين التونسية، ونضالات ميدان التحرير في القاهرة، وكذلك تطلعات الشعوب العربية للحرية والديمقراطية. وبعد الإشارة إلى حجم المنجز السياسي الذي تحقق لأوباما بمقتل بن لادن، يرى "كيبل" أن على سيد البيت الأبيض العمل الآن، من أجل تعزيز فرص تجديد رئاسته، عن طريق تحقيق اختراق في تسوية الصراع العربي/ الإسرائيلي، وهو ما يقتضي منه دعم الحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن جانبها نشرت صحيفة لوفيغارو افتتاحية اعتبرت فيها أن ثمة ثلاثة تحديات تبقى ماثلة بعد مقتل بن لادن، أولها تأثير الحدث على أجندة الانسحاب من أفغانستان، وهنا يخشى أن يؤدي إلى تسريعه عن موعده المقرر في 2014، لأن ذلك قد يؤدي إلى تكرار خطأ ارتكب عند سقوط الاتحاد السوفييتي بترك البلاد نهباً للفوضى وجماعات العنف. والتحدي الثاني يتمثل في استمرار الإرهاب وهجوم مراكش الأخير يؤكد ذلك، كما أن هنالك العديد من المنظمات الإقليمية التي ما زالت تستلهم عنف تنظيم بن لادن. والتحدي الثالث هو استثمار الربيع العربي لتشجيع نزعات الشباب نحو الديمقراطية ونبذ الأصولية والإرهاب، وهنا يستطيع أوباما تكثيف ثقافة التفاهم والحوار مع العالم الإسلامي في أجواء ثورات الشباب الجديدة. وفي افتتاحية لصحيفة ليبراسيون اعتبرت أن اللعبة قد انتهت، فمثلما بدأ القرن الحادي والعشرون بالحديث الحالم بعد سقوط الشيوعية الذي بشر بعالم حر وليبرالي مثالي، وجاءت هجمات سبتمبر لتضع حدّاً لكل ذلك الكلام المعسول، مدشنة عالماً من الرعب وعدم اليقين، مثل ذلك تماماً جاءت الآن ثورات الربيع العربي لتجعل عنف "القاعدة" محل نبذ ورفض، ولتدشن عهداً جديداً في المنطقة، وفي علاقاتها مع الغرب والعالم. أفغانستان: بداية النهاية؟ تحت هذا العنوان تساءل الكاتب بيير روسلين في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو إن كانت تصفية بن لادن ستقود الولايات المتحدة إلى قناعة مؤداها أن أساس المهمة التي ذهبت لاستكمالها في أفغانستان على خلفية هجمات 11 سبتمبر قد استكمل الآن؟ ولكن هذا السؤال يحيل في الواقع إلى حقيقة أخرى هي أن أي تفكير من هذا القبيل يقتضي أولاً العمل على تقوية الحكومة الأفغانية بشكل يمكنها من بسط سلطة النظام والقانون في عموم البلاد. وهذا في الواقع هو صلب السجال الدائر حاليّاً في عواصم عديدة حول استحقاقات ومتأخرات وأذيال المهمة الأفغانية المريرة. ولاشك أن منظمة بن لادن كانت على درجة من الخطورة ليست محل خلاف. ومع مقتله الآن ينفتح أكثر من مجال لإعادة تعريف مهمة الحلفاء في كابول. وفي هذا المقام فإن أوباما الذي يقف الآن على أبواب حملة انتخابية مصيرية يستطيع انتهاز هذه المناسبة لتسريع عملية انسحاب محسوبة تستكمل بشكل نهائي في يوليو 2014. وبهذا المعنى يمكن القول حينها إن مقتل بن لادن كان هو بداية النهاية الحقيقية للحرب في أفغانستان. ويبقى أخيراً، يقول الكاتب، تكثيف العمل للتوصل إلى حل سياسي داخلي أفغاني على نحو قد يسمح بدمج بعض الفصائل غير المتطرفة من حركة "طالبان" والسماح لها بأن تكون ضمن أطراف اللعبة، لتندمج في النسيج السياسي للبلاد. ولاشك أن هذا يستلزم تعاوناً من قبل باكستان بطريقة أوثق مما فعلت حتى الآن في الحرب على "القاعدة" وفي الحرب الأفغانية نفسها. تركيا والثورات العربية صحيفة لوموند نشرت تحليلاً سياسيّاً بهذا العنوان استعرض كاتبه ملامح الموقف التركي من الثورات التي عرفتها بعض البلدان العربية منذ مطلع العام الجاري، مؤكداً أنه على رغم النشاط الشرق أوسطي الملحوظ للدبلوماسية التركية خلال السنوات الماضية وتعدد المبادرات التركية تجاه دول المنطقة إلا أن الثورات العربية أخذت تركيا على حين غرة، حيث فاجأها حجم وزخم وتسارع الأحداث في المنطقة منذ نهاية شهر ديسمبر الماضي، ولذلك جاءت ردود القادة الأتراك متحفظة طيلة أطوار الثورة التونسية، وفي بداية الثورة المصرية أيضاً. ولكن منذ بداية شهر فبراير، وخاصة بعد محادثة هاتفية بين أوباما وأردوغان، خرجت أنقرة عن تحفظها وطلبت من مبارك الاستجابة للمطالب المشروعة لشعبه. وقد تكرر هذا الموقف تباعاً بعد ذلك حيال مختلف الدول التي اجتاحتها ثورات وحركات احتجاج. وفي هذا السياق سجل الكاتب ثلاث ملاحظات على مسار التعاطي التركي مع الواقع العربي الجديد. الأولى، أن ما تردد خلال الفترة القريبة الماضية من مخاوف غربية بشأن تزايد انسلاخ تركيا من ارتباطاتها الغربية واستغراقها أكثر في فضائها الشرق أوسطي، لا يبدو مبرراً من واقع المواقف التركية نفسها، حيث إن التزام أنقرة تجاه روابطها مع جيرانها في الشرق والغرب ليس مبنيّاً على معادلة صفرية، "إما نحن أو هم"، ولذا فليس بالضرورة أن يكون معنى تكثيف تركيا الاهتمام بالفضاء العربي تعبيراً عن رغبة في فك الارتباط مع حلفائها الأطلسيين أو التراجع عن حلمها الأوروبي. والملاحظة الثانية أن تركيا تواجه أيضاً واقعاً معقداً في المنطقة، على رغم شعبيتها المتنامية في صفوف الرأي العام في المنطقة العربية. ولهذا فإن أنقرة ظلت دائماً تبدي حذراً كبيراً تجاه أية تغييرات إقليمية جذرية. وهنا تكتسي الأوضاع في سوريا خاصة أهمية استثنائية في المنظور التركي بالنظر إلى خصوصية العلاقة بين البلدين، ومتانة علاقاتهما خلال السنوات الأخيرة بعدما طبقت تركيا دبلوماسية "الصفر مشاكل مع الجيران". ومع أن أنقرة تبدي حرصاً كبيراً على الحفاظ على علاقاتها مع نظم المنطقة، إلا أنها لا تستطيع أيضاً الاستمرار في تجاهل عنف ردود فعل بعض تلك النظم إزاء الشعوب. أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بما يسميه البعض "النموذج التركي" وإمكانية استفادة بعض الثورات العربية منه. وهنا يشير الكاتب إلى أنه على كثرة تردد هذا المفهوم مؤخراً فإن المسؤولين الأتراك أنفسهم يتعاملون معه بكثير من الحذر. فخلال زيارة الرئيس التركي للقاهرة، في 3 مارس الماضي -وكان أول رئيس دولة يزور مصر بعد رحيل مبارك- قال إن مفهوم "نموذج تركي" لا يخلو من طموح ومبالغة، وإن من الأفضل الحديث عن "مثال تركي" فحسب. ويمضي الكاتب مؤكداً أن التجربة الديمقراطية التركية المديدة ليس من السهل نقلها بشكل ميكانيكي إلى بقية دول المنطقة، وإن كان من المفيد طرح دروسها ضمن موضوعات السجال السياسي الإصلاحي الراهن في الدول العربية المعنية بواقع التحول الثوري. إعداد: حسن ولد المختار Summary