مقتل ابن لادن يترك الولايات المتحدة الأميركية أمام بابين يفتحان طريقين مختلفين للمستقبل. والباب الذي ستختاره واشنطن، يمكن أن يحدد المكانة النهائية التي ستحتلها الولايات المتحدة في التاريخ المعاصر. أحد البابين -وأخشى أن يكون احتمال اختياره أقل من احتمال اختيار الآخر- يقود إلى تعزيز الأمن القومي والعالمي، وتقليل احتمالات الصراع في الشرق الأوسط وآسيا. واتخاذ هذا الطريق يكون من خلال إعلان الحكومة الأميركية، أنها بعد أن سوت حسابها مع حركة الإرهاب التي هاجمت نيويورك وواشنطن منذ عقد من الزمان، وأنها سوف تعمل الآن على سحب القوات الأميركية من أفغانستان، والعراق أيضاً، كما وعد أوباما في حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2008. فصراع الولايات المتحدة مع حركة "طالبان" في أفغانستان، نشأ -كما هو معروف- بسبب الدعم الذي وفرته الحركة لتنظيم "القاعدة" عام 2001. وبما أن هذا الموضوع قد سوّي َالآن، فإن مستقبل أفغانستان بات مرهوناً بالشعب الأفغاني الذي عليه أن يحدد هذا المستقبل بنفسه، وهو ما سيفعله في نهاية المطاف، بصرف النظر عن تدخل الأجانب في هذا الأمر. ويجب على الولايات المتحدة أن تعلن فوراً أنها تتمنى الخير للشعب الأفغاني، وأنه ليست لديها أي مخططات للسيطرة على موارده، وأنها تتطلع إلى علاقة ثنائية قائمة على الصداقة مع أي حكومة أفغانية تستطيع الادعاء بشكل مقنع أنها تمتلك تفويضاً شعبياً، وتعيش في سلام مع جيرانها، وترغب في إقامة علاقة جيدة مع الولايات المتحدة. بعد ذلك، سوف تساعد الولايات المتحدة بسخاء في إعادة إعمار هذا البلد بعد سنوات طويلة من المعاناة والحرب، كما ستساهم -عن طيب خاطر- في جهد دولي مع أفغانستان وباكستان والهند وجيرانهم في آسيا الوسطى، من أجل إيجاد حل دائم وبنّاء لصراعات المصالح والصراعات السياسية القائمة، والسعي بعد ذلك من أجل العمل على دعم التوصل إلى تسوية عادلة للصراع العنيف الذي عانته كشمير. أما بالنسبة لباكستان، فيمكن القول إنه لا يوجد أحد من المتابعين للشؤون الآسيوية، لا يدرك التباس الموقف الباكستاني في الحرب الأميركية ضد حركة "طالبان"، حماة "القاعدة" المفترضون داخل أفغانستان، وفي ذات الوقت زبائن الاستخبارات الباكستانية، وهو التباس حتمي نظراً لأن باكستان تجد نفسها حائرة بين المطالب الأميركية بالتعاون الكامل في الحرب ضد "طالبان"، وبين حلفائها القبليين الباكستانيين، وبين تواطؤ الجيش الباكستاني الطويل الأمد مع جزء من "طالبان" على الأقل. وفي أعقاب الغارة التي أسفرت عن قتل ابن لادن، سوف يكون هناك ضغط داخل واشنطن لمعاقبة باكستان على صلاتها مع "طالبان"، كما أن هناك احتمالاً كبيراً للغاية أن تكون ثمة جهود للبحث عن فرصة، وعن ساسة متواطئين للقيام بشن انقلاب حكومي في إسلام آباد. وبدلاً من ترك هذا الفضاء الآسيوي المضطرب، والذي لا تعرف الولايات المتحدة عنه سوى القليل ولا تفهم حول شيئاً ذا بال، والذي ليست لها فيه سوى مصالح مباشرة قليلة، تجد إدارة أوباما نفسها في الوقت الراهن تحت ضغط من زمرة من الإمبرياليين دعاة الحلول العسكرية، يدعونها للبقاء، بل ولتكريس تورطها في العالم الإسلامي. وفي الآونة الأخيرة كتب "أناتول ليفين" من كلية كنجز بلندن و"نيو أميركا فاونديشين"، وهو واحد من كبار الخبراء في الشأن الباكستاني، يقول إن الجهود الحالية التي تبذلها الولايات المتحدة و"الناتو" لجعل باكستان متماشية مع الرغبات الغربية، يمكن أن تترتب عليها عواقب وخيمة "تتضاءل إلى جانبها المشكلات التي تواجهها حالياً في أفغانستان". وأضاف ليفين: "المسألة في أجلى معانيها، هي أن الباكستانيين يرون وجودنا هناك مشابهاً لوجود السوفييت في أفغانستان من 1979 إلى 1989، وهي رؤية لا تقتصر على الإسلاميين فحسب وإنما تعتنقها أغلبية الباكستانيين". وقال أيضاً: "إن التضامن الديني العرقي، أكثر من أي شيء آخر، بما في ذلك الدعم المستمر من قبل الحكومة الباكستانية، هو الذي يوفر لطالبان أفغانستان القواعد، والملاذات الآمنة داخل باكستان. وهذا الدعم المقدم من قطاعات عريضة من الشعب الباكستاني سوف يستمر، طالما استمر وجود الجنود الغربيين في أفغانستان". الخيار المتاح أمام واشنطن في آسيا هو نفسه -من حيث الجوهر- الخيار المتاح أمامها في الشرق الأوسط حيث بات الدعم الأميركي للأنظمة الاستبدادية، سياسة سيئة السمعة وعديمة الجدوى. وفي الوقت الراهن يوجد للولايات المتحدة هناك بالفعل، مسؤولون وخبراء يعملون على تأسيس تحالفات مع القادة الأصغر سناً الذين يمكن أن يمدوا الولايات المتحدة بمحصول جديد من الزبائن والعملاء السياسيين الذين يمكن أن يحلوا محل هؤلاء الذين أطاح بهم الربيع العربي. إن غريزة الطبقة المنوط بها صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية الأميركية هي غريزة تقوم على التدخل والسيطرة. وهذه الأشياء، هي التي أضرت على نحو منتظم بالأمة الأميركية في الماضي، وسوف تواصل الإضرار بها في المستقبل، إذا ما صممت أميركا عليها. إن أفضل خدمة للمصلحة الحقيقية للولايات المتحدة هي تلك التي تجدها في الداخل الأميركي، وما على من يعنيهم الأمر هناك سوى النظر إلى "حالة الأمة" كي يدركوا ذلك. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"