عملية بن لادن قانونية ... ومهمة متعثرة في ليبيا أصداء منع أوباما نشر صور جثة بن لادن، وقانونية العملية التي قضت عليه، ورؤية الأميركيين للمصالحة الفلسطينية، ودرس لواشنطن من الأزمة الليبية، وأسباب تعثر مهمة الناتو في مواجهة القذافي...موضوعات نضعها تحت الضوء، ضمن إطلالة أسبوعية على الصحافة الأميركية. صور بن لادن في افتتاحيتها يوم أمس، وتحت عنوان "صور بن لادن: إنها صور وليست لقطات تذكارية"، أفصحت "لوس أنجلوس تايمز" عن موقفها قائلة: أوباما كان على حق كونه لم يسمح بنشر صور جثة بن لادن. وحسب الصحيفة، عادة ما يكون المجتمع راضياً عندما يجد معلومات يستطيع الإطلاع عليها والاستفادة منها وتشاطرها، لكن هذه الاستفادة غير مطلقة، وضمن هذا الإطار، تصرف أوباما بمسؤولية عندما رفض نشر صور جثة بن لادن. الإقدام على نشر الصور سيسبب عنفاً ضد الأميركيين، وسيتجاوز مجرد الإفصاح عن حقيقة مقتل زعيم "القاعدة". ربما يأتي الوقت الذي يصبح فيه نشر صور جثة بن لادن ممكناً، لكن في البيئة الراهنة، التي يواصل "ورثة" بن لادن تهديدهم للولايات المتحدة، فإن أوباما على حق في الاحتفاظ بتلك الصور بعيداً عن العامة. القانون في صف أميركا هذا ما استنتجته "واشنطن بوست" في افتتاحيتها يوم الأربعاء الماضي، فتحت عنوان "في مقتل بن لادن، القانون في صف الولايات المتحدة"، قالت الصحيفة إن أي تحليل ينبغي أن يبدأ بهجمات 11 سبتمبر 2001 ، عندما لقي 3000 شخص بريئاً مصرعهم، على يد قوات بن لادن، علماً بأن زعيم "القاعدة"، دعا إلى هجمات أخرى ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وبعد هجمات سبتمبر بأسبوع واحد، منح الكونجرس تفويضاً للرئيس الأميركي، باتخاذ الإجراءات المناسبة ضد "القاعدة" و"طالبان" وكل من ساعدهما وقدم لعناصرهما المأوى. ما جرى في 11 سبتمبر كان إعلاناً للحرب، ومن الصواب استهداف بن لادن لدوره المركزي في حدوث هذه الفظاعات. وترى الصحيفة أنه بناء على المعلومات التي أفصحت عنها الإدارة الأميركية، فإن العملية العسكرية السرية التي قضت على الإرهابي والمطلوب رقم واحد في العالم، عملية باسلة تم تنفيذها جيداً، كما أنها قانونية أيضاً. "المصالحة" الفلسطينية بهذه العبارة، عنونت "واشنطن بوست" افتتاحيتها الأربعاء الماضي، قائلة إن المصالحة التي تم التوقيع عليها في القاهرة بين حركتي "فتح" و"حماس" تنهي الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ أربع سنوات، ففي عام 2007 كانت السلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة تتفاوض بمفردها مع إسرائيل، بينما قطاع غزة تسيطر عليه "حماس". وتعاون محمود عباس مع إدارة أوباما من أجل تدريب قوات الأمن الفلسطينية وبناء حكومة غير فاسدة ويمكن محاسبتها. وترى الصحيفة أن الموافقة على تدشين حكومة فلسطينية بمشاركة "حماس" تعني أن عباس أنهى برنامج بناء المؤسسات الذي انهمك فيه سلام فياض، وهو برنامج يعد الأكثر تقدمية منذ سنوات، وعباس بذلك يدير ظهره إلى السلام الذي تتوسط أميركا للتفاوض بشأنه مع حكومة نتنياهو، وبدلاً من ذلك ستركز الإدارة الفلسطينية الجديدة للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية من الجمعية العامة للأمم المتحدة. درس ليبيا خصص "مارك لانج" تقريره المنشور في "كريستيان ساينس مونيتور"، الخميس الماضي لرصد ما تراه دروساً من التدخل الدولي الراهن في الأزمة الليبية، فتحت عنوان "درس ليبيا وأولويات السياسة الخارجية الأميركية"، استنتج الكاتب أن المزيد من الحركات الشبابية، يعني المزيد من المشكلات ما لم تغير الولايات المتحدة قواعد اللعبة. وبالنسبة لأي بلد تعتبره واشنطن استراتيجياً لدرجة تستوجب التدخل العسكري بشأنه، فإن ليبيا تُعد المثال الأحدث للفرص التي ينبغي أن تتعلم منها الولايات المتحدة. وحتى لو كانت ثمة قناعة في السياسة الخارجية الأميركية طوال العقدين الماضيين مفادها ضررة وقف التدخل العسكري والاهتمام بالتنمية الاقتصادية لضمان الاستقرار في البلدان المعرضة للخطر وتفعيل الحريات ودعم الديمقراطية فيها. الحكمة التقليدية في المسألة الليبية تقول إنه لكي نحمي الشعب الليبي الساعي إلى الحرية، علينا استهداف المواقع الاستراتيجية، وتجنب الأهداف المدنية التي تختبأ فيها قوات القذافي، والانتظار حتى يغادر القذافي السلطة طواعية. حدود القوة الأميركية لا تكمن في مقدرة واشنطن على الإطاحة بالطغاة، بل في التزامها بدعم المجتمع المدني ومساعدة الدول على نمو اقتصادي مستدام تصنعه تلك الدول بنفسها. لقد حان الوقت للإدارة الأميركية أن تعرف معاييرها من أجل التدخل في المدى المتوسط، أن تدشن مساراً يُسفر عن نتائج إيجابية في الدول المناضلة كليبيا، وأن تصيغ استراتيجية متماسكة للاستقرار العالمي من بين بنودها التنمية الاقتصادية. سيكون الأمر غير سهل بالنسبة لأميركا، فهذه الأخيرة لا يزال لديها مراكز بحوث لا تفكر في شيء سوى "الدبابات" أي في القوة لضمان الاستقرار، بينما تنظر مراكز بحوث أخرى إلى المسألة من زاوية أخرى مفادها أن الاعتبارات ذات الصلة بالدين والأيديولوجيا والثقافة هي أساس عدم الاستقرار العالمي. وتلفت الصحيفة إلى مشهد آخر مهم وصفته بأنه أكثر "أصولية" من صراع الحضارات، ألا وهو صراع الأجيال، الذي يقوده متمردون لديهم حجة سياسية وهؤلاء يقولون: أمنحونا وظيفة. وفي البلدان التي تشهد اضطرابات كليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان والعراق والكونجو، وصلت نسبة الشباب ممن هم أقل من عشرين عاماً إلى أكثر من نصف السكان، وهؤلاء يعانون البطالة والضغوط الاجتماعية ومن تداعيات التوسع الحضري، وهم في الوقت ذاته يشكلون بيئة خصبة لعدم الاستقرار والتمرد والإرهاب. لا شك أننا أمام جيل عالمي جديد، عانى من أنظمة فاسدة وقمعية، كما أن البلدان التي تشهد طفرة ديموغرافية وينعدم فيها النمو الاقتصادي، تصبح منفلتة ويتعذر السيطرة عليها، ولهذا السبب نشطت "طالبان" في جنوب آسيا، وأصبح المراهقون يتم تجنيدهم لشن عمليات في الصحراء الكبرى. وضمن هذا الإطار، نجد اليمن الذي يغذي أصول "القاعدة" سيتضاعف عدد سكانه بحلول 2033 بمقدار ثلاثة أضعاف، في حين يناضل معظم شبابه من أجل الحصول على مصدر دخل. مهمة متعثرة وعن ليبيا أيضاً، وتحت عنوان "مهمة متعثرة في ليبيا"، نشرت "نيويورك تايمز" الخميس الماضي افتتاحية، قالت خلالها إنه ما لم يتعامل "الناتو" ومعه الولايات المتحدة بجدية مع الأمر، فإن تحرير ليبيا سيتحول إلى ورطة دموية طويلة الأجل. القذافي متوحش والثوار ضعفاء وغير منظمين، وقوات حلف شمال الأطلسي لا تزال لديها الوسائل العسكرية اللازمة لمساعدة الثوار وتحقيق التوازن، ذلك إذا كان لدى "الناتو" الإرادة والوحدة. قوات القذافي أمطرت مصراتة بالصواريخ ومنعت المساعدات الإنسانية من الوصول إليها، ومع مرور الوقت تزداد أعداد القتل، والأمر نفسه بالنسبة للاجئين، الذين يهربون إلى مصر وتونس وأوروبا، مما يستوجب تحركاً سريعاً من "الناتو". أوباما كان على حق عندما سلم المهمة الليبية إلى قيادة أوروبية وكندية، علماً أن القوت الأميركية استهدفت في البداية قوات الدفاع الجوي الليبية، لكن انتقال القيادة أفقد المهمة زخمها، ولا يزال التنسيق بين "الناتو" والثوار، ضعيفاً، مما يسفر عن وقوع خسائر جراء النيران الصديقة. وحسب الصحيفة لدى قوات حلف شمال الأطلسي، خاصة فرنسا وبريطانيا طائرات مقاتلة تستطيع تحمل الأعباء الرئيسية في الحملة الجوية ضد قوات القذافي، لكن يتعين على "البنتاجون" إرسال طائرات أميركية متخصصة في الطيران المنخفض كA-10 و AC-130 LN من أجل استهداف دبابات القذافي، فقوات "الناتو" لا تزال غير فعّالة في تدمير مركبات العدو وتجنب إصابة الأهداف الصديقة (قوات الثوار). وتطالب الصحيفة واشنطن وغيرها من العواصم بمزيد من العمل الاستخباراتي للتعرف على الأهداف الليبية التي يتعين التخلص منها، خاصة اللاعبين الأكثر أهمية. ولابد من أن يبدأ "الناتو" برفع صوته وتقديم رسالة واضحة، كتلك التي أطلقها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حيث طالب القذافي بالتنحي الفوري. إعداد: طه حسيب