تعيش "القاعدة" سنة سيئة للغاية؛ ولكن مقتل بن لادن، من منظور الإرهابيين، ليس أسوأ ما فيها، لأن أكبر ضربة ممكنة لهذه المنظمة هي انتشار الحياة السياسية الديمقراطية في العالم العربي. وإذا كتب لهذه الأخيرة النجاح، فإنه يمكن القول إن "القاعدة" ستُحرم في تلك الحالة من سبب وجودها. واللافت أن مقتل بن لادن على أيدي قوات خاصة أميركية لم يولد تقريباً أي غضب في العالم الإسلامي. ففي 2001، عندما وضع الولايات المتحدة وأوروبا في حالة رعب، كان بن لادن "بطلًا" في أعين أقلية متطرفة من المسلمين المحبطين من الحياة السياسية الراكدة في بلدانهم. ولكن بحلول الوقت الذي قتل فيه الآن، كان هذا الإرهابي قد تحول إلى مجرد موضوع للفضول؛ حيث تشير استطلاعات رأي أجراها مركز "بيو" للأبحاث إلى أن عدد الأشخاص في البلدان العربية الذين يعيرون اهتماماً لابن لادن قد انخفض خلال العشر سنوات الماضية بشكل كبير. وحتى في باكستان، حيث عاش سنين حياته الأخيرة، فإن معدل "الرضا عن أداء" هذا الإرهابي انخفض من 52 في المئة في 2005 إلى 18 في المئة في 2010. أما "القاعدة"، الحركة التي ساهم بن لادن في بنائها، فتبدو اليوم هامشية أيضاً بشكل لا لبس فيه. فقد كان بن لادن ورجاله يعلمون أنهم يمكن أن يموتوا في أية لحظة، ولذلك سعوا إلى تصميم "القاعدة" على نحو يضمن بقاءها حتى بعد موتهم. وعندما هاجمت الولايات المتحدة "الفرع المركزي للقاعدة" في باكستان وأفغانستان، اعتمدوا اللامركزية، فدعموا فروعاً في اليمن وشمال إفريقيا والصومال، وركزوا بشكل أكبر على إلهام ودعم إرهابيين ممكنين في الغرب. غير أن هذه الاستراتيجية لا تلاقي نجاحاً كبيراً اليوم؛ ذلك أن آخر هجوم ناجح معروف ضد بلد غربي نسقه "الفرع المركزي للقاعدة" هو ذلك الذي استهدف "مترو" أنفاق لندن في 2005، قبل ست سنوات. أما آخر هجوم حدث نتيجة "مبادرة ذاتية" واضحة، فهو المذبحة التي وقعت في قاعدة "فورت هود" الأميركية في 2009 وقد وجهت تهمة ارتكابها إلى الرائد في الجيش الأميركي نضال مالك حسن. ولكن تلك كانت مأساة معزولة، على كل حال. ولعل الأهم من ذلك أن نظرية "القاعدة" باتت تبدو غير ذات صلة بالواقع على نحو متزايد. فابن لادن لم يشن هجمات إرهابية لأنه -مثلما أكد بوش- كان يكره حريتنا؛ بل لأن بن لادن ومساعده المصري الظواهري خططا لهجمات ضد الولايات المتحدة، "العدو البعيد"، لأنهما كانا يعتقدان أن تلك هي أسرع طريقة للإطاحة بالأنظمة في أوطانهم، "العدو القريب". ولكن تبين أنهما على خطأ لأن هجمات "القاعدة" لم تؤد إلى انسحاب أميركي من العالم الإسلامي؛ بل على العكس؛ حيث زادت الولايات المتحدة وجودها في المنطقة، مع غزو العراق وأفغانستان -بدون أن يثير ذلك انتفاضة على صعيد المنطقة، مثلما كان يتمنى بن لادن. ومع مرور الوقت، قرر معظم المسلمين أنهم لا يرغبون في العيش تحت رؤية بن لادن للإسلام، وخاصة بعد أن قتلت فروع محلية لـ"القاعدة" آلاف المدنيين في العراق وبلدان أخرى. وفي آخر فشل لمشوار بن لادن، لم يعد العديد من الفروع المحلية لـ"القاعدة" يركز على الهدف الذي أنشئ من أجله؛ بعد أن وجدت هذه المنظمات التي خلفت "القاعدة" في العراق واليمن والجزائر والصومال أنفسها منشغلة بتشابكات الحياة السياسية المحلية، وليس الإرهاب العابر للحدود الذي كان من المفترض أن يكون علامتهم المسجلة. ومثلما أفاد زميلاي برايان بينيت وكن ديلانيان الأربعاء الماضي، فإن مسؤولين استخباريين أميركيين قالوا إن بن لادن بعث مؤخراً برسائل إلى الفروع -عبر رسل من مخبئه في أبوت آباد على ما يبدو- يدعوهم فيها إلى أن يتذكروا أن هدفهم هو الولايات المتحدة، وليس الأنظمة المحلية. غير أن أولوية الحياة السياسية في معظم العالم الإسلامي باتت محلية اليوم. فالنظامان السلطويان في تونس ومصر سقطا؛ والأنظمة السلطوية في اليمن وسوريا وليبيا بدأت تترنح. وفي هذه الأثناء، لا تحجم الولايات المتحدة، "العدو البعيد" بالنسبة لابن لادن، عن دعم بعض الحكام المستبدين فحسب، بل إن رئيسها يقف بشكل واضح على الهامش، مشجعاً الشباب العربي على أن يمسك بمستقبله بين يديه. وقد سعى بن لادن لإقناع المسلمين برسالة مفادها أن الطريق إلى فرض احترام كرامتهم واسترجاع حقوقهم هي عبر مهاجمة الولايات المتحدة، بأكبر قدر ممكن من العنف. ولكن درس الربيع العربي كان معاكساً تماماً: إذ وجد الشباب التونسي والمصري كرامته وحصل على حقوقه عبر الاحتجاج في الشوارع بأقل قدر ممكن من العنف. ثم إن النشطاء الإسلاميين في تونس ومصر غاصوا هم أيضاً في الحياة السياسية المحلية، علماً بأن مركز طاقة الحركة الإسلامية يمثله أولئك الذين يركزون على الشؤون المحلية، وليس العابرة للحدود كما تريد "القاعدة". غير أن الخبيرة في شؤون الإرهاب "أودري كرث كرونن" التي درست دورات حياة المنظمات الإرهابية في كتابها "كيف ينتهي الإرهاب"، تحذر من أن "القاعدة" قد تحتاج لسنوات حتى تذوي وتضعف؛ ولكن إذا ركز معظم أعضاء "القاعدة" المتبقين على السياسة المحلية في بلدانهم بدلاً من الهجمات على الولايات المتحدة، فإن سؤالاً مثيراً للاهتمام يطرح نفسه هنا: هل ينبغي أن نظل قلقين؟ الواقع أننا سنظل قلقين بشأن الإرهاب في البلدان التي تهمنا. وقد يظهر أيضاً نشطاء أفراد في الولايات المتحدة متأثرون بمن خلفوا بن لادن؛ غير أن هذه المشاكل بعيدة كل البعد ومختلفة كل الاختلاف عن التهديد الذي رأيناه في "القاعدة" عديمة الرحمة ومحكمة التنظيم التي هاجمت نيويورك وواشنطن في 2001. ومثلما حذر أوباما ومساعدوه، فإن الحرب ضد "القاعدة" لم تنتهِ بعد، ولكننا قد نشهد بداية النهاية. ومن بين أهم الأسلحة التي ينبغي أن تستعملها الولايات المتحدة خلال المرحلة التالية من الكفاح هناك الوسائل القديمة مثل الدبلوماسية والمساعدات الخارجية، وذلك من أجل مساعدة الديمقراطية على النجاح وحرمان "القاعدة" من أسباب الوجود. دويل ماكمانوس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة إم سي تي إنترناشيونال