ضمن مشاركتي في "منتدى التعليم العالمي"، الذي نظمته مشكورة وزارة التربية والتعليم في الدولة، قدمت عرضاً حمل عنوان هذا المقال، وإنْ كان العنوان قد استفز بعض المعلمين، فإنه كان مقصوداً منه البحث عن جوانب الخلل في نظامنا التعليمي في الوطن العربي. ولا يفوتني هنا أن أشكر كل معلم كسر النسق التعليمي في فصله، فكان مبدعاً ومصدراً للإبداع يتعلم منه التلاميذ كيف يفكرون بطرق خلاقة. وقدمت بين يدي الموضوع بعدد من الملاحظات أولها كان أهمية الانتقال من مرحلة تعميم التعليم إلى جودته، فلله الحمد والمنة وبخطط حكومتنا الرشيدة بات التعليم اليوم متاحاً للجميع. وقد شمل كافة مناطق الإمارات الجغرافية التي لم تعد تعرف ما يسمى قديماً بالمناطق النائية، كما أن التعليم شمل الجنسين، وأتاح للجميع فرصة إكمال دراساتهم التعليمية العامة والعليا. ومع شكرنا لكافة وزراء التعليم الذين شغلوا هذا المنصب الحساس خلال الفترة الماضية، فإن طموحات دولة الإمارات العربية المتحدة، تدفعنا اليوم للمطالبة بجودة التعليم، وذلك أمر من السهل قياسه عبر محكات متعارف عليها دولياً، منها نسبة النجاح في التعليم العالي بعد التعليم العام. بعد هذه المقدمة استعرضت حقائق العلم حول الإبداع الذي ليس له وطن أو جنس. فالإنسان يُولد مبدعاً، لكنه قد يُحتضن ذلك الإبداع ويُنمى كي يقطف الوطن ثماره اليانعة، وفي المقابل قد يقتل ذلك الإبداع في مهده عبر أنظمة تعليمية تقليدية منها نقل المعرفة لا انتاجها. الفرصة اليوم متاحة لدينا كي نبني نظاماً تعليمياً يتناسب مع طموحات قيادتنا الرشيدة، ويحقق أحلامنا، التي لا تعرف سوى الرقم الأول سقفا لها. المعلم كان ولايزال هو الرقم الصعب في العملية التعليمية، وهو من يبني أنفساً وعقولاً أو هو من يهدمها، فبعض الأخطاء التربوية تكون قاتلة للتلاميذ. ولعل منها قدسية ما يصدر من هذا المعلم، فكلامه غير قابل للنقاش والحوار، ونحن في زمن اختبار العقول وطرح الأسئلة المحيرة كي تتفجر المعرفة من حولنا. ومن ضمن استراتيجيات قتل الإبداع التي يحسن البعض ممارستها رفعهم شعار فكر كما أفكر أنا تنجح، وإن اجتهدت في فكرة جديدة فأنت فاشل في واقعك، لذلك يرفع بعض المعلمين من شأن التلميذ الذي لا يفكر بل يقلد كل ما يصدر من المعلم، بينما ينظر للمفكر المبدع على أنه "قليل الأدب"، فكيف يرفع رأسه بفكرة لم تخطر على بال المعلم، أو لم تسطر في كتاب المدرسة. ومن هنا فإن أسلوب التقويم التقليدي، هو ما يقيس نسبة ما نقل من الكراس إلى الرأس دون إضافة أو تعديل. فالامتحانات التقليدية خرجت لنا عقولاً مقلدة حافظة، فأضيف كتاب إلى مكتبة العالم العربي، التي بات الغبار راسماً لوحة على صدور طلابها، فمن ينجح في الاختبار، نجح وفق معايير التقليد، وقد يكون عند بعض الراسبين في الاختبارات التقليدية فكر لم تصله بعد عقولنا. ويكفينا مثلاً أن من أغنى الناس في تاريخنا المعاصر رجلين لم يكملا التعليم العالي في دولتيهما، فصاحب الميكروسوفت ومؤسس الفيسبوك خرجا من التعليم قبل أن تموت الأفكار لديهما. إننا بحاجة إلى فكر جديد يرفع شعار من علمني حرفاً كنت له نداً ، مع كل التقدير و الاحترام.