حدثان مهمّان ميزّا الأسبوع الفائت. الأول عملية المخابرات المركزية الأميركية في باكستان التي قتلت زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن. وتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية في القاهرة بعد سنوات من الانقسام والخلافات والإخفاقات. وبين العمليتين رابط فلسطيني واحد في مكان ما. فالعملية الأولى شكلت نجاحاً أمنياً وسياسياً للإدارة الأميركية الحالية برئاسة باراك أوباما الذي يكاد يتهاوى سياسياً بعد فشله الذريع في السياستين الداخلية والخارجية وتراجع شعبيته، وبن لادن هو العدو رقم واحد، والمطلوب رقم واحد، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011. وبعيداً عن تفاصيل العملية التي نفذت على أرض باكستانية، ومحاولة أفغانستان مثلاً الاستفادة منها انطلاقاً من القول إن اتهامها على مدى سنوات بأنها تأوي وتحمي بن لادن تبين أنه غير صحيح، وأن "الإرهاب" موجود في باكستان، أو الإحراج الذي أصاب المخابرات والحكومة الباكستانيتين لناحية عدم علمهما بالعملية على أرض بلدهما. وبعيداً عن كل النقاشات والروايات حول مقتل هذا الرجل، وهل قاوم أم لا، وحول رمي جثته في البحر ودلالات هذا التصرف، فإن بن لادن لم يعد موجوداً. وأميركا ستحاول الاستفادة من هذا الأمر لتؤكد حضورها ودورها ونفوذها وقدرتها وتريد إرسال رسالة إلى الجميع مفادها التالي: "مهما طال الزمن باستطاعتنا الوصول إلى الهدف الذي نريد في سياق الحرب المفتوحة بيننا وبين الإرهاب بكل فروعه وأشكاله ورموزه وساحاته"! بالتأكيد ثمة من فرح لمقتل هذا الرجل، لكنه يتهيّب الموقف ويستعد لردود الفعل، ولذلك سمعنا التحذيرات، وشاهدنا الإجراءات الاستثنائية المتخذة تحت عنوان أن تنظيم "القاعدة" هو تنظيم قوي متماسك صحيح أنه أصيب بضربة قاسية في الرأس ولكنه قد يعاود الرد وبالتأكيد سيشرع في ذلك، فلابد من أخذ الحيطة والحذر. أين سيكون الردّ؟ هنا القلق المفتوح، وهنا موقع فريق آخر لا يحب بن لادن ومشروعه خصوصاً بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقد يستفيد من مقتله أو يرتاح. ولكنه أيضاً متهيّب نظراً لخطورة الرجل وما يمثل. وضمن هذا الفريق فريقان. الأول يعبّر عن هذا الرأي بقناعة تامة، والثاني يعبّر عنه في لعبة المصالح. وضمن هذا الفريق تابعنا مواقف لقوى ليس بديهياً أن تصدر عنها إيمانياً أو دينياً أو سياسياً، وربما لمسنا في بعض هذه المواقف انتقاداً للعملية ليس دفاعاً عن بن لادن ومشروعه بقدر ما هو ردّ فعل على السياسة الأميركية. وهنا يكمن الموضوع المهم ويطرح السؤال المهم. هل نجاح أميركا في هذه العملية هو نجاح في سياستها فعلاً لمكافحة ما تسميّه الإرهاب؟ إن لهذا "الإرهاب" أسباباً وخلفيات ودوافع. وفي منطقتنا تبرز في طليعتها السياسة الأميركية المعتمدة منذ عقود من الزمن الداعمة والراعية للإرهاب الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية. هذه السياسة التي لم ولا تولّد إلا القهر والكراهية في نفوس الفلسطينيين والعرب عموماً والمسلمين. هي سياسة تشريع القتل الجماعي والتعذيب الجماعي والظلم الجماعي والحرمان الجماعي والإذلال الجماعي والتجويع الجماعي والتهجير للفلسطينيين؛ وسياسة توليد العنف والتمييز العنصري التي لم تؤد ولا تؤدي إلا إلى المزيد من التطرف وردّ الفعل في أوساط المستهدفين المقتولين المظلومين. وبن لادن قاد مشروعاً وخلق حالة تعبوية للناس انطلاقاً من استغلال هذه السياسة. لذلك فإن قتله، يشكل نجاحاً أمنياً استخباراتياً ونجاحاً سياسياً للإدارة الأميركية بمعنى تحقيق هدف من أهدافها وإثبات قدراتها لكن النجاح السياسي لتأكيد الاستقرار ووقف العنف لا يكمن هنا بل يتحقق من خلال استكمال العمل الأمني بعمل سياسي يكرّس حقوق الفلسطينيين، ويضع حلاً عادلاً لقضيتهم، فيعيد الأرض إليهم ويقيم دولتهم المستقلة عليها ويعالج قضية اللاجئين. غير ذلك فإن هذه العملية قد ترتد سلباً على أصحابها وعلى كل الذين فرحوا بها. في هذا التوقيت، برز الحدث الثاني وهو المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية المباركة. نعم، في الظروف التي تعيشها المنطقة ودولنا العربية المختلفة، وبعد التغيير الذي عاشته مصر ومرحلة التحول الذي تعيشه دول عديدة، وفي لحظة اغتيال بن لادن، ومحاولة إسرائيل الاستفادة من كل ذلك، صارت المصالحة المباركة المنتظرة منذ سنوات. هذا ردّ عملي مباشر نأمل أن يستكمل بكل خطواته ومندرجاته ليتكرّس واقعاً في المواجهة الفلسطينية مع الاحتلال لمنعه من تحقيق خطوات جديدة في اندفاعاته القوية ضد أبناء الأراضي المحتلة. المصالحة وعلى قاعدة خطابي أبو مازن ومشعل، تؤكد وجود سلطة واحدة ومؤسسات واحدة لأبناء قضية واحدة على الأرض الواحدة في الضفة والقطاع. بالتأكيد، لن ترتاح إسرائيل إلى هذا الطرح، ولذلك بادرت إلى الرفض والتحذير من مخاطر ما جرى، وأميركا لم تكن مرتاحة أبداً. فالحدث أخذ من وهج عملية اغتيال بن لادن نسبياً، وإذا استكملت خطواته سوف يكون له تأثير على استيعاب نتائج تلك العملية والاستفادة منها فلسطينياً لمواجهة الاحتلال، وهذا ما لا تريده أميركا. نحن في مرحلة جديدة تماماً وأمام أحداث لم تكن متوقعة، وقد نشهد مثيلاً لها لأن المنطقة كلها تعيش مرحلة تحول كبيرة. المهم أن نعرف كيف نتعامل معها. المصالحة الفلسطينية إنجاز كبير كان منتظراً منذ الخطوة الكبيرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ سنوات عندما جمع قيادتي "فتح" و"حماس" اللتين أبرمتا اتفاق مكة. لكن المتضررين قصيري النظر من كل الجهات أسقطوا هذا الجهد. إلا أنه لا يصح إلا الصحيح في النهاية.