كعادتنا في التفكير التآمري، رحنا نبحث عن المؤامرة في أخبار مقتل بن لادن على يد قوات أميركية خاصة الأسبوع الماضي في باكستان. وليس في ذلك جديد، فلا زال كثير منا يعتقد أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تحدث أصلاً، بينما يظن بعضنا أنها عملية أميركية مدروسة دبرتها المخابرات الأميركية بمساعدة بن لادن تارة، وبمساعدة الموساد الإسرائيلية تارة أخرى. لكن الحقيقة التي ثبتت أن أسامة بن لادن قد مات، قتله جهاز كان يعرف تنظيمه معرفة جيدة، ويحسب تمويله وحركاته وأنفاسه، بل وسمى مقاتليه بمقاتلي حرية أيام الرئيس الأميركي الأسبق ريجان -حين كان بن لادن يقاتل الاتحاد السوفييتي. وبغض النظر عن "دفن" بن لادن في البحر، أو حرقه وإخفاء جثته، أو حتى الأخبار- المؤامراتية التي تقول إنه حي يرزق في كنف "السي آي أيه" ويعيش مكرّماً معزّزاً عند من صنعه، فإن بن لادن لن يخرج حيّاً على الملأ بعد اليوم. كان بن لادن قد مات منذ قرابة أربع سنين، قتله خروج سنده جورج بوش من البيت الأبيض، ومغادرة معاونيه من متطرفي اليمين المحافظ وجيش "محاربة الإرهاب"، وأزاحه المغردون على "التويتر"، وصفحات "الفيسبوك"، وصور "اليوتيوب" المتحركة، ثم وجه له الخالد محمد بوعزيزي ضربة قاضية حددت من تونس بوصلة الحرية لشعوب المنطقة. ولنعترف بأن ملايين الشباب قد دفعها الفساد والإذلال والبطالة والاحتلال لأن ترى ببن لادن مخلصاً قبل عشر سنوات، ولا يزال البعض يرى في بن لادن شهيداً بطلاً على الرغم من الأذى والضرر الذي سببه للإسلام والمسلمين في كافة بقاع الأرض. لم تصدر شهادة وفاة بن لادن في رأيي الأسبوع الماضي، فلقد توفي يوم اختفى في الجبال مع بدء حرب الإطاحة بنظام "طالبان" التي شنتها إدارة بوش، وأتبعتها بحرب الإطاحة بنظام صدام حسين واحتلال البلدين، وهما الحربان اللتان يحاول أوباما التخلص من تبعاتهما. لقد تلاشى بن لادن يوم أصبح شبحاً تذيع له قناة تلفزيونية فضائية تسجيلاً صوتيّاً كل عدة أشهر، وحل محله الإعلام الاجتماعي الذي يتواصل من خلاله شباب عربي ومسلم يحدوه الأمل، ويدفعه القهر والبطالة والفساد نحو التواصل للتغيير نحو حياة أفضل. لم يرفع أحد من ملايين المتظاهرين من تونس حتى صنعاء صورة واحدة لبن لادن، بينما رفعت آلاف الصور لمحمد بوعزيزي -على الرغم من فتاوى انتحاره والجدل العقيم حول مصيره عند ربه. بعض المجادلين يرون في تفجير النفس وقتل الأبرياء استشهاداً! بعد هجمات سبتمبر، هلل بيننا كثيرون يأساً، وأعجب كثيرون إفلاساً، وطرب الأكثر عجزاً، وانتظروا، فماذا كانت النتيجة؟ احتلال بلدين مسلمين، واستغلال بشع لهجمات سبتمبر لتلطيخ صورة المسلمين والعرب وربطهم بالإرهاب -ديناً وثقافة. واستمر الانتظار، فما كان يتمخض إلا عن صوت متقطع لبن لادن عبر تسجيل مهرّب يبقى أياماً في مختبرات الصوت للتحقق من صحته. فرح أوباما بمقتل بن لادن، فهو قد حقق ما لم يستطع سلفه "المتطرف" بوش تحقيقه: قتل المطلوب الأمني رقم واحد، دليل إثبات أنه غير مسلم، وهو يظن أنها بداية ممتازة لإثبات "أميركيته" التي اضطر لإظهار شهادة ميلاده قبل أيام لإثباتها، وانطلاقة "رائعة" لتدشين حملته الرئاسية للعام القادم. "السي آي أيه صنعت بن لادن، والسي آي أيه قتلته"، هكذا يختزل خصوم بن لادن نهايته، وبهذه النتيجة يخلص كل من يريد إغلاق الملف، وتجاوز "القاعدة" ومرحلتها الدامية طيلة العشر سنوات الماضية أو يزيد. لكن هل سيتحقق ذلك؟ ابحثوا عن أسباب الإرهاب، فهناك تكمن الإجابة.