يقول عبد النبي العكري في كتابه "قضايا الإصلاح والديمقراطية والتنمية والحقوق" إنه "كلما كان النظام الديمقراطي راسخاً والبيئة الديمقراطية صحية وحيوية، كلما ازدهرت حقوق الإنسان التي لا تعرف سقفاً. وكلما انحطت الديمقراطية تدهورت حقوق الإنسان". ويقول أيضاً الدكتور باقر النجار في كتابه "الديمقراطية العصية في الخليج العربي" إن "التحولات التي شهدتها المنطقة منذ «الطفرة النفطية» في السبعينيات، مروراً بالثورة الإيرانية وحروب العراق الثلاث، قد ساهمت في حل بعض من المشكلات الاقتصادية والسياسية الداخلية لهذه المجتمعات، إلا أنها في المقابل قد عمقت من معضلات علاقة الدولة بالمجتمع في الداخل، وتحديداً في علاقتها مع الجماعات والفئات الأقل حظّاً". وعلى رغم أن الاهتزازات السياسية في أي مجتمع قد تفرز تداعيات مكبوتة، وهذا ما حدث في الثورات العربية الأخيرة! إلا أن شكل الديمقراطية العربي ما زال بعيداً عن النموذج الأسمى للديمقراطية. ولقد عانى الشعب العربي من شعارات امتدت لعشرات السنين -عبر المايكروفونات والشاشات- تبشّر بعهود ديمقراطية ورخاء اقتصادي وعلاقة سليمة بين الشعوب والنظم. إلا أن ذلك كان مجرد "تخدير" مؤقت لآلام الشعوب، حيث قد يتم تأجيل الوعود، وحقنها بمخدر جديد. لقد سكت الشعب العراقي على جرائم صدام حسين حوالي ثلاثين عاماً، ومثله الشعب التونسي، والمصري، والليبي (41 عاماً)، واليمني، وغير ذلك من الأنظمة التي كانت تتلاعب بعواطف الناس وتحاول تصوير نماذج ديكتاتورية داخلية في ثياب ديمقراطية. وصار أن عانت هذه الشعوب التخلف الاقتصادي وغياب خطط التنمية، والبطالة، والتشرد في المنافي بحثاً عن لقمة العيش، والفساد الإداري والمالي، وتراجع مستويات التعليم، وازدياد حالات القمع، خصوصاً قمع أصحاب الرأي والزج بهم في السجون لآماد طويلة، ودون محاكمة. وصار الشعب العربي مدمناً على الخوف، يحاذر أن يرفع رأسه كي لا تلتقي نظرته بنظرة صاحب التمثال الضخم الواقف في كل زوايا عواصم الجمهوريات، ولكأنه يقول له: "أنا هنا أسمعك!". لقد سمعنا عن حكايا تقشعر لها الأبدان مثل خوف الزوج من أن تكون زوجته جاسوساً عليه؛ كما حدث مع صديق عراقي. أو حالات التهكم في المقاهي في القاهرة من سوء الأوضاع في مصر، دون التمكن من الجهر بها، كون النظام السابق -الذي أُودعَ رموزُه هذه الأيام السجون على يد الثورة الجديدة- قد بث العيون والعسس في كل شارع ضمن قانون الطوارئ الذي امتد لأكثر من ثلاثين عاماً منذ عهد السادات، وها هي الأنظمة المتهاوية تعلن أخيراً عن رفع قوانين الطوارئ، بعد أن انتفضت الشعوب! وعلى المستوى الاقتصادي عانت بعض الشعوب العربية - نظراً لغياب الديمقراطية الحقيقية- من تخلف اقتصادي، على رغم الهِبات السخية التي تأتي من المؤسسات الدولية، والدول الشقيقة، والتي يذهب جلها إلى خزائن الزعيم وحاشيته، ويُصرف الفتات منها على مشاريع الدولة والمرافق الملتصقة بحياة الإنسان. ولغياب الديمقراطية في العالم العربي استفحل دور سلطات الضغط والضبط، وتفننت بعض دوائر الأمن بأسمائها المختلفة، في محاصرة الأفراد والضغط عليهم وتهديدهم، وازداد الأمر صعوبة أحياناً نظراً لعدم نزاهة القضاء، واستئثار الحزب الواحد الحاكم بمقاليد الأمور. ولغياب الديمقراطية أيضاً لم يرفع المواطن العربي صوته مطالباً بالشفافية فيما يتعلق بثروات بلاده! وظل هذا الموضوع محوطاً بعدم الشفافية، حتى قامت الثورات وظهر المستور، ورأينا كيف أن بلداً عربيّاً يُعتبر متأخراً في مشاريع التنمية ويعاني أزمات اقتصادية عديدة ولديه بطالة بالملايين، يُزعم أن ثروة رئيسه وعائلته تصل إلى 70 مليار دولار! من أين لك هذا؟ لم يسأله أحد هذا السؤال طوال سنوات حكمه المديدة! ولغياب الديمقراطية أيضاً تم تكميم الأفواه! وزاد الكذب على الشعوب، وزاد النفاق السياسي والاجتماعي الذي كشفته الثورات العربية. وصار صاحب الرأي المخالف للنظام خائناً للوطن، ويمكن الزج به في السجن. وقد يقوم دهاقنة النظام بتدبير المؤامرات والخطط للإيقاع بهذا المواطن الذي قد يكون أعلن فقط عن رأيه في قضية عامة عكّرت مزاج النظام. وقد يقوم دهاقنة القانون بالتفنن في إقناع الرئيس بفرض قوانين جائرة تحت دعاوى حماية الناس أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من قوانين غير مناسبة، مما يخالف سنن الحياة وحتميات عصر الانفتاح وثورة المعلومات. إننا نعتقد -بعد أن انكشفت عورات أنظمة فاسدة في الوطن العربي- أن الوقت قد حان لمراجعة بعض الأنظمة العربية لسجلات حقوق الإنسان! وتلك مسألة تصب في معين الديمقراطية. تماماً كما هو الحال مع إتاحة الفرصة للمجتمع المدني للانتعاش والتعاون مع الدولة في خدمة المجتمع، بعيداً عن هيمنة طرف أو ضغوط طرف على الطرف الآخر، لأن من شأن ذلك أن يقوي التلاحم بين أفراد المجتمع ويقضي على أية انتماءات طائفية أو عشائرية، من نوع ذلك الذي لطالما فتّت المجتمعات العربية، وبالتالي سهّل الانتقاص من حقوق الإنسان. أقول هذا الكلام بعد أن شاهدت مقطعاً لبرنامج على قناة فضائية عربية وقد تشابك الضيفان بالأيادي على الهواء وصدرت من كليهما كلمات لا تليق بالإعلام ولا تحترم المشاهد. وقد قدم هذا المقطع دليلاً على الشكل الديمقراطي في العالم العربي، وهو شكل يميل إلى العنف والإقصاء والرأي الواحد.