أخيراً حانت اللحظة لأخذ غفوة سريعة وسط معمعان من أصوات هرج الباعة وروائح المانجو النفاذة المميزة، وتحت سياط شمس ظهيرة حارقة لا يكاد يحجبها عن الوجوه أي ستار. وبعد ساعات طويلة من العمل المجهد اللامتناهٍ في تجميع وكيْل أكوام المحصول الوفير المتدفق على سوق الفواكه والخضار هنا بمدينة حيدر آباد الهندية، غالب النعاس عيني هذه العاملة فاستسلمت لسلطانه، عابرة بذلك الحدود السديمية بين عالمي الواقع والأحلام اللذين يتقاذفانها باستمرار، دون رحمة، طيلة مكابداتها اليومية. في عالم الواقع لا تستطيع عاملة "المانجو" التمدد إلا بقدر ما تسمح به ظروف عملها المجهد، ولا تنال في النهاية إلا أجرة ضئيلة، وإن كانت تعود، في المساء، بما قد يسد رمقها ورمق أفراد أسرتها. أما في عالم الأحلام فثمة بساط الآمال فيه متسع لما هو أكثر بكثير. وتداعيات صعود الهند الاقتصادي الباهر ربما تحمل لهذه العاملة ومئات الملايين غيرها من فقراء الريف الهندي تكملة ملهمة للقصة، ونهاية سعيدة لأحلامهم التي تتخلق الآن تحت لهيب يوميات مشرقة يصنعونها هم بأيديهم، ضمن ملحمة صعود ملهمة، ما زالت فصولها تتكشف أمام العالم أجمع.