يرصد كتاب الباحث أشرف عبدالعزيز عبدالقادر: "الولايات المتحدة الأميركية وأزمات الانتشار النووي.. الحالة الإيرانية 2001- 2009"، الذي نستعرضه هنا بشكل خاطف، بعض ملامح السياسة الأميركية في إدارة أزمات الانتشار النووي، من خلال نموذج محدد هو طريقة التعاطي مع تحدي الأزمة النووية الإيرانية، مشيراً في مقدمة كتابه إلى محورية الدور الأميركي في قضايا الانتشار بصفة عامة، وفيما يتصل منها بالمنطقة الشرق أوسطية بصفة خاصة، ذلك أنه "على الرغم من أن هناك اتفاقات ومؤسسات عالمية التوجه أنيط بها التعامل مع هذا النوع من الأزمات لعل أهمها معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت الفاعل المسيطر المؤثر على التطورات النووية في مناطق كثيرة من العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، على الأقل". وينطلق الكاتب في دراسته مثيراً جملة من الأسئلة التي يسعى للإجابة عليها من خلال قراءة متأنية وتحليل معمق للسياسة الأميركية، مبرزاً أسس تلك السياسة على المستوى النظري، مستدعيّاً بعض النماذج المحددة لمقاربة فرضيات العمل الذي ينطلق منه. ولعل من أبرز تلك الأسئلة: "ما أسس السياسة الأميركية المتبعة -على المستوى النظري- تجاه قضايا وأزمات الانتشار النووي، منذ انتهاء الحرب الباردة وصولاً إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وانعكاساتها على السياسة الأميركية في هذا المجال؟.. وكيف أدارت الولايات المتحدة الأزمة النووية الإيرانية خلال الفترة 2001- 2009؟ وإلى أي مدى نجحت في تحقيق أهدافها في هذه الأزمة؟ وما السيناريوهات المتوقعة في المستقبل؟"، وصولاً إلى سؤال في غاية الأهمية، لجهة وضع اليد على مؤدى هذه السياسة، وللحكم عليها من واقع ما تتكشف عنه من نتائج، في المحصلة النهائية، وهذا السؤال هو: "هل تدعم السياسة الأميركية تجاه قضايا وأزمات الانتشار النووي النظام العالمي لمنع الانتشار النووي؟ أم أن لها انعكاسات سلبية تمثل عبئاً عليه؟". في الفصل الأول من الدراسة المخصص للإطار النظري يستجلي الكاتب مفهوم الانتشار النووي نفسه، ومسار تطوره المفهومي، ومفاهيم أخرى مرتبطة به، كمفهوم نظام منع الانتشار النووي وآلياته ومداخله، ليدخل بعد ذلك في الفصل الثاني في صلب سياسة إدارة أزمات الانتشار النووي المتبعة من قبل الولايات المتحدة، ضمن عملية تتبع تاريخي تبدأ من ملامح هذه السياسة منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، خاصة أن هذه الفترة الأخيرة بالذات عرفت تحولاً في آليات التفكير الأميركي بهذا الشأن، حيث لم يعد التركيز منصباً فقط على منع انتشار تكنولوجيا الأسلحة النووية، وإنما في المقام الأول على هوية الدول الساعية إلى امتلاك تلك الأسلحة، وطبيعة أنظمتها الحاكمة. وبعد ضرب جملة أمثلة على التعامل الأميركي مع أزمات نووية أخرى عديدة مثل حالات العراق وليبيا وكوريا الشمالية، وكذلك إسرائيل، والهند، يصل الكاتب في الفصل الثالث إلى محددات إدارة أميركا للأزمة النووية الإيرانية تحديداً، منطلقاً ابتداءً من تتبع لبعض أطوار العلاقات الأميركية الإيرانية، دون أن يغفل في الوقت نفسه عرض رؤية طهران الخاصة للأزمة النووية. وبعد ذلك يرصد الكتاب مواقف مختلف الأطراف الأممية والدولية ذات الصلة، ومنها موقف دول مجلس التعاون الساعية لضمان مصالح المنطقة والمتعلقة بمقتضيات الشرعية الدولية، مبرزاً بشكل خاص أن "التوجه العام من قبل مجلس التعاون -وتحديداً ما يتصل منه بمبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة الجدية في هذا المجال- برغم استناده إلى مبررات استراتيجية واقتصادية قوية تتعلق بالأمن القومي في مفهومه الشامل، فإنه في الوقت ذاته ينطوي على رسالة في سياق الأزمة النووية الإيرانية مفادها أن البرنامج النووي السلمي لدولة الإمارات العربية المتحدة يمثل في حد ذاته وسيلة لمكافحة الانتشار النووي، من خلال تقديم نموذج لدول المنطقة الأخرى يبين جدوى السعي إلى الطاقة النووية بطريقة مسؤولة". أما في الفصلين الرابع والخامس من الكتاب فيتتبع المؤلف الأدوات السياسية والدبلوماسية التي أدارت من خلالها أميركا سياستها تجاه الأزمة النووية الإيرانية، وكذلك مستقبل هذه الأزمة ضمن رؤية استشرافية للسيناريوهات الممكنة لمآل تجاذباتها وتدافعاتها الراهنة، وخاصة في ضوء توجهات ومحددات سياسة إدارة أوباما الخارجية. وفي الختام يستعرض المؤلف حزمة من النتائج والتوصيات هي ما تأدى إليه بحثه المعمق، إضافة إلى ملاحق غنية بالمعلومات والإحصاءات بشأن موضوع الدراسة، ضمن جهد علمي بحثي رصين لا يمكن الاستغناء عن الاطلاع عليه، بأي عرض خاطف. حسن ولد المختار الكتاب: الولايات المتحدة الأميركية وأزمات الانتشار النووي... الحالة الإيرانية 2001- 2009 المؤلف: أشرف عبد العزيز عبد القادر الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2010