قال نتنياهو: "على السلطة الفلسطينية الاختيار بين السلام مع إسرائيل أو السلام مع «حماس»، إذ لا يوجد سلام مع الإثنين طالما ظلت «حماس» تسعى إلى تدمير دولة إسرائيل". وطالبت السلطة بالمقابل نتنياهو "باختيار السلام أو الاستيطان". وقديماً قيل في الأمثال: إذا أردت للمرء أن يحتار فاجعله يختار. هذا على المستوى الفردي، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمصير شعب يعيش تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، ولا يملك الكثير من سبل الاختيار، حتى عندما اختارت قيادته السلام، فإن العدو الإسرائيلي استكثر عليه ذلك إلا بشروط قاسية. ليس بالضرورة أن تتحول إسرائيل إلى صديق للمنطقة، وهذا ليس من بنود أي اتفاقية سلام، لأن الاتفاق على السلام يعني على أقل تقدير تحييد الحروب التي لم تشف الشرق الأوسط منذ عقود من آثارها المدمرة. فإسرائيل برفضها لكل المبادرات السلمية باختلاق أعذار واهية ابتداء، فقبل المصالحة كانت تزعم أن الجلوس مع أهل الضفة فقط مستحيل لأن غزة لابد أن تكون حاضرة على الطاولة، وبعد الإعلان عن المصالحة الجدية خرجت إسرائيل بهذا الخيار المحير لصناع السياسة في الشرق والغرب معاً. ولو خيِّر الإنسان بين الموت أو الحياة، فالعاقل يختار الحياة على الموت، والعيش بسلام مع النفس ومع الآخر مهما كان مراوغاً وخادعاً، فإن العالم لا يخلو من هذه النوعية من البشر وإن تمثلت في دولة تزعم أنها ديمقراطية وواحة للحرية، فهل يموت الناس جميعاً من أجل أن يحيا هذا الصنف الإسرائيلي بسلام؟ في الوقت الذي يعج فيه العالم العربي بهذا الحراك الدامي، فإن الوصول إلى نقطة التقاء في عملية السلام أصبح أكثر من ضرورة حتى لا يتسع الخرق، وتشتعل المنطقة أكثر مما هي الآن. والطريق إلى السلام لن يكون ممهداً، لو طال انتظار العالم للوصول إلى لحظة المصالحة الفلسطينية كشرط لازم من أجل الحركة نحو إقامة دولة فلسطينية موحدة، وهو ما يقوي الطرف الفلسطيني أمام المبادرات الإسرائيلية التي لا تستقيم مع متطلبات السلام لا الفلسطيني ولا الشامل كما هو مطروح على الطاولة التي انفض عنها الجميع نتيجة للأحداث الجارية. فإذا لم يكن بالمستطاع التوصل إلى ذلك الهدف الكبير والاستراتيجي، فليس أقل من الدفع بمشروع السلام الفلسطيني- الإسرائيلي قدماً للتحقق وفق الحدود المتفق عليها عالميّاً، وهذا بحد ذاته قد يساعد العالم العربي للمضي في الخطوة التالية للسلام الشامل طبعاً بعد أن تعود مياه الأمة العربية الجارية إلى مجاريها من الاستقرار والأمن، فبدون ذلك لا يمكن الوصول إلى أي اتفاقية يمكن أن نشم من ورائها رائحة للسلام الدائم. لأن الديمومة ليست شعاراً يتغنى به، وإنما هي إجراءات عملية لابد أن نرى نتائجها على الأرض، وبدون الدولة الفلسطينية المستقلة لن تكون لأي مشروع سلام قيمة، فالشرط هنا من باب لزوم اللازم وإن أرادت إسرائيل غير ذلك. فالنظر إلى غزة والضفة الغربية على أساس أنهما كيان واحد لقيام الدولة المرتقبة، هو الذي يساعد على تحقيق السلام المنشود بغض النظر عمن يحكم غزة والضفة الغربية، لأن تغيير معادلة الأشخاص والفصائل وارد في أي انتخابات ديمقراطية مقبلة إذا ما أشرفت عليها أنظار العالم من جديد، فهل يتوقف قطار السلام المهم لأن "حماس" اليوم تحكم قبضتها على غزة، وإسرائيل تريد صكّاً منها للاعتراف بها مقدماً قبل أن يحصل كل الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة والمنصوص عليها في أروقة الأمم المتحدة منذ أكثر من ستة عقود.