"انعطفي إلى اليسار، انعطفي إلى اليمين، ارجعي!". بهذه التوجيهات كان أصدقاؤها يساعدونها في هذه اللعبة بينما كانت تقود شخصيتها الافتراضية -كلب آلي - إلى فخ قاتل وصوت انفجار يدوي من الكمبيوتر. ولحسن الحظ في عالم اللعب الافتراضية، يستطيع اللاعبون دائماً كبس زر "ابدأ من جديد"، ولكن شمرون شانبيزي ابنة الأحد عشر عاماً تستوعب هذا الدرس بمرارة إذ تقول "تبدو اللعبة مختلفة عن الحياة الواقعية... فالناس لديهم حياة واحدة فقط". ولعبة الفيديو هذه، التي تدعى "يو. إكس. أو"، وهي اختصار لعبارة "أجسام مخفية غير منفجرة"، تمثل وسيلة جديدة تهدف إلى تعليم الأطفال الكمبوديين وتوعيتهم بمخاطر الألغام الأرضية، ومخاطر أية تفجيرات أخرى قد تتهددهم في هذا البلد الواقع جنوب شرق آسيا. إنه درس يمكن أن ينقذ كثيراً من الأرواح كل عام في كمبوديا وبلدان أخرى خرجت من الحرب، حيث توجد ملايين الألغام الأرضية والقنابل غير المنفجرة مخبأة تحت التراب والصخور والمركبات المحطمة، مشكلةً خطراً بالنسبة للمزارعين، وخاصة الأطفال. ففي كمبوديا وحدها، قتلت بقايا الحرب هذه قرابة 64 ألف شخص خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ومن ذلك 286 شخصاً العام الماضي، بحسب بيانات النظام الكمبودي لمعلومات ضحايا حرب الألغام/بقايا المتفجرات. ولعبة الفيديو هذه، التي صممت من قبل فريق من الأساتذة بجامعة ولاية ميشيجان بمنحة بقيمة 78 ألف دولار من وزارة الخارجية، أشرفت عليها في كمبوديا "منظمة الغرب الذهبي الإنسانية"، وهي إحدى المنظمات غير الربحية. وقد اختبرت اللعبة على الأطفال مثل الطفلة "شانبيزي" في مكتب المنظمة في العاصمة الكمبودية "بنوم بنه" قبل إدخالها إلى المناطق الريفية. وما زالت كمبوديا تعد من بين أكثر البلدان التي تنتشر فيها الألغام في العالم، وذلك ضمن تركة حرب دموية طويلة عرفتها في السبعينيات والثمانينيات. وهي فترة تميزت بحكم نظام شيوعي متورط في إبادة جماعية، وحملة قصف أميركية سرية في الجزء الشرقي من البلاد من أجل استئصال مقاتلين مشتبه فيهم تابعين لـ"الفيت كونج" الفيتناميين. وقد ألقت الولايات المتحدة 2.75 مليون طن من القنابل ووضعت الفصائل المتناحرة ما بين حقول الألغام. وفي 1992، دشنت بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة عملية تطهير من الألغام والقنابل غير المنفجرة؛ غير أن تحويل مثل هذه التركة القاتلة كان عملية بطيئة ومكلفة إذ ما زال ما بين 4 ملايين إلى 6 ملايين قنبلة موجوداً في البلاد، حسب مركز الألغام الكمبودي الذي تديره الحكومة. وقد أعلنت هذه السلطات هناك مؤخراً أنها ستحتاج إلى نحو 12 عاماً إضافية وعشرات الملايين من دولارات المساعدات من أجل إنهاء المهمة. وفي هذه الأثناء، تقيم الجهود التقليدية لتوعية الأطفال وتحذيرهم بشأن خطر الألغام عروضاً مملة باستعمال أوراق مطبوعة، "وهي أشياء محدودة الجاذبية بالنسبة للأطفال، بل وبالنسبة لمعظم الناس في الواقع"، كما يقول "آلان تان"، الذي يدير أنشطة منظمة "جولدن ويست" في كمبوديا. و"تان،" الأميركي من أصل كمبودي الذي هاجر والده إلى الولايات المتحدة بعد أن نجا من حكم الخمير الحمر الدموي في أواخر السبعينيات، يقول إن تجربته الخاصة كجندي مشاة في أفغانستان وكتقني اشتغل في إزالة الألغام في العراق علّمته كيف أن لهو الأطفال يمكن أن يتحول فجأة إلى مأساة إذ يقول: "لو كنتَ طفلًا ورأيت شيئاً يلمع في بيئة حيث معظم الأشياء المحيطة بك خشبية، فإنك سترغب في التقاطه". ولعبة الفيديو المذكورة تستعمل برنامجاً جذاباً لتحويل مثل هذه الأخطاء إلى دروس، يقول "تان"؛ حيث يقوم اللاعبون بتوجيه تعليمات لكلبهم لإيجاد الطعام مع الحرص في الوقت نفسه على تلافي الأخطار المحدقة. ويزيد اللاعب عدد النقاط التي يسجلها إذا تعرف على علامات واضحة مثل إشارة الجمجمة والعظام، أو مؤشرات أقل وضوحاً مثل سياج الأسلاك الشائكة، وذلك من أجل إنقاذ حياة الكلب. وعندما ينفجر لغم أو قنبلة، تظهر شخصية متخصص في الألغام على الشاشة لشرح ما حدث وكيفية تجنب تكرار الخطأ نفسه. وفي هذا السياق، يقول كوري بوهيل، وهو أستاذ مساعد زائر بجامعة ولاية ميشيجان وعضو في الفريق الذي تولى تطوير هذه اللعبة، إن العمل منصب حاليّاً على تطوير قالب رقمي يمكن تصميمه للغات ومشاهد أخرى مقابل بضعة آلاف إضافية من الدولارات. ففي البلدان العربية على سبيل المثال، يمكن أن تكون الشخصية في لعبة الفيديو عبارة عن معزة. وفي أفغانستان، يمكن إضافة العبوات الناسفة التي تزرع على قارعة الطريق إلى قائمة الأخطار، كما يقول. ويأتي هذا المشروع عقب اهتمام شعبي متزايد بـ"اللعب الجادة" المصممة لتطوير مهارات الحياة وإخبار اللاعبين بمشاكل العالم الحقيقي. ومن الجدير ذكره هنا أن النسخة التي طورتها جامعة ميشيجان بدائية نوعاً ما حيث تحتوي على رسومات متواضعة؛ ولكن جمهورها الواسع -الشباب في البلدان التي خرجت من الحروب والذين من غير المرجح أن تكون ألعاب التكنولوجيا العالية قد أفسدتهم- يرجح أن يكون متسامحاً وقنوعاً. ويقول شوب سوفيك، 14 عاماً، الذي اختبر اللعبة في "بنوم بنه" وفقد صديقُه سمعه وأحد أطرافه بسبب انفجار لغم: "أعتقد أنها مسلية وتعلّمنا أن نكون أكثر حذراً، على كل حال". بريندان برادي - كمبوديا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"