حصل أوباما الآن على الرأسمال المعنوي والسياسي اللازم لإنهاء المهمتين العسكريتين الأميركيتين في أفغانستان والعراق على نحو مسؤول. ففي ظل مقتل ما متوسطه 30 إلى 50 أميركياً كل شهر في أفغانستان، فإن المجموع سيكون أعلى بكثير من 1000 قتيل في فترة أوباما الرئاسية إذا لم يتم فعل أي شيء. وعلاوة على ضرورة العمل لإنقاذ الأرواح البشرية، فإن سحب 60 ألف جندي من أفغانستان في 2011- 2012 من شأنه أيضاً أن يوفر حوالي 70 مليار دولار سنويّاً من أموال دافعي الضرائب. والواقع أن عملية القتل الأخيرة التي استهدفت بن لادن تمثل خير دليل على أن التهديدات الإرهابية، الحقيقية والافتراضية، يمكن أن تُكبح على نحو فعال بواسطة عمليات القوات الخاصة أكثر منها عبر نشر مئات الآلاف من الجنود الأميركيين على الميدان؛ إذ تثبت عملية بن لادن أن استراتيجية لمحاربة الإرهاب تركز على العمل الاستخباري والضربات الجوية ووحدات القوات الخاصة، كتلك التي يدافع عنها أشخاص مثل نائب الرئيس "بايدن" وكاتب العمود المحافظ "جورج ويل"، من شأنها أن تشكل وسيلة ردع فعالة ضد أية خلايا سرية جديدة قد تسعى إلى شن هجمات ضد الولايات المتحدة. ثم إننا إذا كنا لا نرسل قوات برية إلى مدن أوروبية مثل برلين أو لندن، حيث قد تحاك المخططات الإرهابية أيضاً، فلماذا هناك 150 ألف جندي أميركي في أفغانستان والعراق؟ ألا ينبغي أن يقوم حلف شمال الأطلسي "الناتو" باحتلال أوروبا؟ والواقع أنه إذا كان الجواب في أفغانستان هو محاربة تمرد "طالبان"، فإن ذلك لا يمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي قطعاً. وحتى إذا رغبت "طالبان"، لأي سبب من الأسباب، في استضافة تنظيم "قاعدة" أعيد إحياؤه، فإن أجهزة الاستخبارات والقوات الخاصة الأميركية ستكون أيضاً قادرة حينها على التعاطي مع المشكلة. وفي العراق، يتوقع أن تضاعف السفارة الأميركية في بغداد، التي تعد الأكبر في العالم، عدد موظفيها خلال العام المقبل إلى 16 ألف موظف، بدون احتساب جيش صغير من المتعاقدين الخواص. وفي 2003، تم افتعال تهديد مفترض في العراق ضد الولايات المتحدة من أجل تبرير الغزو الأميركي؛ ولكن تهديداً مثل هذا بات بعيداً الآن ولا يتطلب الإبقاء على الجنود في تلك البلاد كمحتلين غير مرحب بهم. أما باكستان، فتلك مسألة أخرى؛ حيث يعتقد منتقدو التدخل -وأنا واحد منهم- أن الولايات المتحدة لا تعمل إلا على إلهاب المشاعر المناوئة لها، وقتل المدنيين الأبرياء، وتقوية المتمردين عبر تصعيد ضربات الطائرات بدون طيار هناك (والجدير بالذكر هنا أن أوباما رفض ضربة جوية مثل هذه لقتل بن لادن). إلا أنه من المستحيل سياسيّاً أن يقوم أوباما بالانسحاب الآن في وقت بات فيه جزء كبير من الرأي العام في الشارع والكونجرس يشعر باستياء كبير إزاء احتمال قيام ذلك البلد بتوفير الحماية لابن لادن. ومما لاشك فيه أن إنهاء الحرب الطويلة والسرية في باكستان سيتطلب مزيداً من النقاش العام، إلا أنه يمكن أن يبدأ بمحادثات اقتسام السلطة في أفغانستان. إنها لحظة فريدة بالنسبة للقوى المناوئة للحرب في الشارع والكونجرس لاغتنام كل فرصة لدفع الرئيس لاتخاذ القرار الصحيح! توم هايدن كاتب وناشط سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشيونال "