في كتابه المعنون" صعود وسقوط القاعدة" يرى "فواز جرجس" مدير مركز الشرق الأوسط في مدرسة لندن للاقتصاد، أن تنظيم "القاعدة" الذي أنشأه بن لادن قد فقد الكثير من زخمه بسبب تشظي التنظيم وانقسامه إلى عدد من التنظيمات الفرعية الموزعة على منطقة واسعة وغير القادرة على العمل بحرية، وأن الذي ساعد على الإبقاء على اسم التنظيم هو البيروقراطية المناوئة للإرهابيين التي تستفيد من إبقائه كفزاعة للتهديد، على رغم أنها كانت هي التي ساعدت على إنشاء التنظيم في المقام الأول. وفي رأي جرجس الذي يعتبر من كبار الباحثين المختصين في شؤون الإيديولوجيا الأصولية، والجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تتبنى العنف، أن القوى الغربية قد وجدت نفسها، بمرور الوقت، غارقة في تفاصيل سردية كبرى عن الإرهاب انطلاقاً من معتقد زائف مفاده أن الولايات المتحدة ذاتها، بكل ما تمثله، وبكل قوتها العسكرية الجبارة، مهددة بهجوم مدمر قد يشنه عليها تنظيم "القاعدة"، القعيد، والمثخن بالجراح. ويقدم جرجس تأريخاً شاملًا للحركة ونشأتها وسط صفوف الحركات الأصولية المختلفة التي تجمعت في أفغانستان تحت إشراف الاستخبارات المركزية الأميركية "سي. آي. إيه" للجهاد ضد القوات السوفييتية التي احتلت ذلك البلد منذ أواخر السبعينيات وطوال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ثم عملها بعد رحيل السوفييت في المجال الإغاثي داخل أفغانستان، وفى مناطق اللاجئين في باكستان، ثم انضمام مقاتليها إلى معسكرات التدريب العربية في أفغانستان وذلك بعد عام 1992، وتركيزها بفضل ما توافر لها من تمويل مادي من ابن لادن على استقبال المتطوعين والإنفاق على إعاشتهم وتدريبهم. وتطور المنظمة التدريجي بعد ذلك وصولًا إلى "التنظيم العالمي لمحاربة اليهود والصليبيين"، وتنفيذها لعدد من العمليات ضد المصالح الأميركية في كينيا وتانزانيا واليمن وباكستان وتركيا وأماكن أخرى، ثم القيام بعمليتها الكبرى في الحادي عشر من سبتمبر داخل الأراضي الأميركية، ثم القيام بعمليات مسلحة في بعض أنحاء العالم وخصوصاً في دول غربية ساعدت في الغزو الأميركي للعراق مثل بريطانيا وإسبانيا وغيرهما. وبعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان وإغلاق معسكرات الحشد والتدريب التي كانت تعتمد عليها "القاعدة" قام التنظيم بعملية إعادة انتشار واسعة ساعدت على نشأة جماعات محلية في العديد من الدول والمناطق مثل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بالجزائر التي أعلنت ولاءها للتنظيم بعد الحادي عشر من سبتمبر، ومثلت أولى المنظمات التي جسدت هذا التحول، وكذلك تنظيم "القاعدة ببلاد الرافدين". ويركز الكاتب على النقطة الخاصة باهتمام "القاعدة" باستغلال الفضاء الإلكتروني في الدعاية، بل وفي تنفيذ العمليات وتنسيق العمل. ثم يتحدث بعد ذلك عن استغلال التنظيم للحرب الأهلية التي تجري في الصومال ونشأة حركة "شباب المجاهدين". ويتحدث أيضاً عن "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" واستغلاله لهشاشة الدولة في اليمن، كما يتحدث عن "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي". وبمرور الوقت تحول التنظيم وقائده بن لادن -يقول المؤلف- إلى "ماركة مسجلة"، ولم يعد في حاجة إلى الاستمرار في إعطاء أوامر من أجل "إعادة الانتشار والتنظيم" في مناطق أخرى، بحيث باتت أي جماعة تتبنى نفس أطروحات "القاعدة" وفكرها قادرة على القيام بجهد ما ضمن" الحرب الشاملة" أو "المعولمة" التي أعلنها التنظيم منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ويؤكد المؤلف الذي يكشف أنه قد قابل بنفسه عدداً من قادة التنظميات الفرعية التابعة لـ"القاعدة"، وحصل منهم على معرفة مباشرة بالحركة، إن العنف العابر للحدود الذي دشنه بن لادن لم ينجح سوى في اجتذاب أقلية قليلة في العالم العربي، على رغم تعدد الحركات الفرعية التي نشأت تحت العلامة التجارية للتنظيم، الذي لا يمتلك حسب تقديره قاعدة اجتماعية وشعبية عريضة وقابلة للحياة والاستمرار. وفي جزء مهم من الكتاب يعبر جرجس عن اعتقاده، الذي يخالف فيه كثيرين بما فيهم قيادات تنظيم "القاعدة" ورئيسه بن لادن، وهو أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تكن "غزوة" موفقة تم فيها ضرب مراكز القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للولايات المتحدة في عقر دارها، وإنما كانت في جوهرها خطأً فادحاً في التقدير، حيث لم ينتج عنها كما توقع بن لادن تدفق سيل عرمرم من الشباب العرب للدفاع عن "القاعدة" في أفغانستان، بل إنها -الهجمات- كانت سبباً رئيسيّاً في غزو دولتين هما العراق وأفغانستان. ويرى جرجس أن هناك علاقة بين ظاهرة الإرهاب النامي محليّاً في المجتمعات الغربية والحرب على الإرهاب، وأن الإرهاب النامي محليّاً يكشف عن الضعف الهيكلي -وليس عن قوة تنظيم "القاعدة"- الذي يرى جرجس أنه قد تشظى إلى جماعات عديدة، وشهد العديد من الصراعات الداخلية والتناحرات المؤثرة. ويرى الكاتب أن الثورات الديمقراطية التي اجتاحت العالم العربي في بدايات عام 2011 قد أظهرت بجلاء أن القاعدة قد تحولت إلى شبح تنظيم، وأنه لم يعد لها دور ولا تأثير على الحياة السياسية العربية، وأنها لم تعد تشكل مصدر إلهام للشباب العربي، كما أن أحداً لم يرفع صور قائدها ولو مرة واحدة خلال تلك المظاهرات، ولا شعاراً من شعاراتها، وذلك بعد أن عرفت الشعوب بقيادة الجيل الجديد من الشباب المتعلم المرتبط بتقنيات العصر الحديثة، أن هناك العديد من الوسائل السلمية التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف بعيداً عن العنف الأعمى الذي تبناه التنظيم، وظل متمسكاً به حتى وصل إلى ما وصل إليه من ضعف التأثير وأفول النفوذ. سعيد كامل الكتاب: صعود وسقوط "القاعدة" الكاتب: فواز جرجس الناشر: أوكسفورد يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2011