قد يؤدي مصرع بن لادن إلى تغيير مشهد السياسة الأميركية، وعلى وجه الخصوص في جانب معين منها. فعندما يخوض أوباما السباق الانتخابي لعام 2012، فإن الاحتمال الأرجح هو أنه سيكون قويّاً في النواحي التي كان أسلافه "الديمقراطيون" ضعفاء فيها، وسيكون ضعيفاً في النواحي التي كانوا أقوياء فيها.. كيف؟ إن أي اتهام سوف يوجهه "الجمهوريون" لـ"الديمقراطيين" خلال تلك الانتخابات بأنهم ضعفاء أكثر من اللازم في تعاملهم مع الإرهاب -وهو الاتهام الذي طالما رددوه- لن يكون ذا معنى، بعد أن نجح أوباما فيما فشل فيه بوش وهو تصفية زعيم "القاعدة". ويضاف إلى ذلك أن أوباما قد حافظ على وعده بإنهاء المشاركة القتالية للجنود الأميركيين في العراق.. وإذا ما نجح في سحب أعداد كبيرة من القوات الأميركية من حرب تزداد قتامة يوماً من بعد يوم في أفغانستان فإنه سينال أيضاً دعماً شعبيّاً كبيراً لاشك فيه. وعلى رغم أن "الجمهوريين"، وخصوصاً "الصقور" منهم سينتقدون مثل هذا الإجراء، إلا أن احتمال خوض مرشحهم الانتخابات القادمة على برنامج يقوم على الاستمرار في الحرب الأفغانية يبدو احتمالاً شبه معدوم، خصوصاً بعد أن نجح أوباما في النيل من زعيم "القاعدة. وإذا ما أخذنا نجاح أوباما في قتل ابن لادن، وأضفنا إليه قرار بوش شن حرب باهظة التكاليف وغير ضرورية في العراق، فستتجسد أمامنا ملامح فضاء سياسي متغير بعض الشيء. فالميزة التي كان "الجمهوريون" يحققونها في الأوقات التي تتفاقم فيها المشاغل المتعلقة بالأمن القومي -كانت تمثل سمة بارزة من سمات أميركا في الحرب الباردة، وأميركا ما بعد الحادي عشر من سبتمبر- فإننا سنجد أن تلك الميزة بعد التطورات الأخيرة، قد تم تحييدها بدرجة كبيرة. ولكن إذا ما كان أوباما قد نجح في تحييد تلك الميزة التي كانت تنسب لـ"الجمهوريين"، إلا أنه تخلى في الوقت نفسه عن ميزة تنسب لـ"الديمقراطيين" تقليديّاً تتمثل في تفوقهم في مجال السياسات الاقتصادية الداخلية. وما لم يقم أوباما بإجراء بعض التغييرات في السياسة الاقتصادية -على أن تكون تلك التغييرات مفاجئة ومدهشة وسريعة بنفس الطريقة التي كانت عليها عملية قتل بن لادن- فإن "الديمقراطيين" سيدخلون انتخابات 2012 باقتصاد لا يظهر سوى علامات قليلة دالة على التعافي، ولا يقدم سوى عدد قليل من المقترحات الخاصة بوسائل تحسينه. ثم إن انتخابات 2012، ستكون في جوهرها استفتاء على مدى عناية أوباما بالاقتصاد، أكثر من كونها استفتاء على جنون "الجمهوريين" الاقتصادي (من خلال اقتراحهم لخطط ستجعل الاقتصاد أسوأ بكثير مثل خطة الرعاية الطبية الباهظة التكلفة التي ينوون تغطية تكاليفها من خلال تحميلها على المسنين، وتقليص استثمارات القطاع الخاص في هذا المجال) أو استفتاء على إنجازات أوباما في مجال الأمن القومي. وخلاصة القول إنه عندما يدخل أوباما الانتخابات القادمة فسيكون لديه سجل من الإنجازات يتمثل في قانون رعاية صحية شبه شامل، وجيل جديد من اللوائح والأنظمة التي تنظم وتحكم عمل البنوك التي كانت منفلته في عهد "الجمهوريين". وإذا ما أضفنا إلى ذلك الثقة والمصداقية التي حصل عليها في مجال المحافظة على الأمن القومي لأميركا، وكان أمامه مرشح "جمهوري" من الدرجة الثانية، فإن ذلك سيكون كافيّاً لأن يؤمن له فترة رئاسية ثانية. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"