الأمور التي تحدث في العالم العربي، ومن حولنا هذه الأيام يمكن أن نصنفها على أنها من الأشياء التي لا تحدث إلا في الأحلام، فلم يستفق العرب من ربيع ثوراتهم التي ما أن تنتهي واحدة إلا وتكون الأخرى قد اندلعت، ليصبح العالم أمام خبر مهم. ففجأة ومن دون أية مقدمات نستيقظ صباح الاثنين الثاني من مايو على خبر مقتل بن لادن على أيدي القوات الأميركية التي عثرت عليه في بلدة أبوت آباد شمال باكستان. وقبل أن تغيب شمس ذلك اليوم، تعلن الولايات المتحدة أنها قامت بدفن جثمانه في شمال بحر العرب بعد عدم قبول أية دولة استقبال جثمانه، ولم يتسن للولايات المتحدة أن تؤكد إنها دفنته على الطريقة الإسلامية... فمن كان يحلم بهذه النهاية وفي هذا التوقيت. تطورات دراماتيكية لم يكن ليتوقعها حتى أذكى المنجمين -الذين كانوا قد توقعوا موته في 2010- فلم يتم إعلان موته إلا في هذا العام المليء بالأحداث التاريخية العظيمة… كما أنه لم يكن، ولا في الأحلام، أن يتوقع العرب أن يروا سقوط نظامين عربيين عتيدين في مصر وتونس بتلك البساطة والسرعة، كما لم تكن تتوقع تلك الأنظمة، ولا في الأحلام، أن تتخلى عنها الولايات المتحدة حليفتها القوية بتلك البساطة وتنقلب عليها بعد أسابيع قليلة وتطالبها بالرحيل. فمن كان يتوقع أن يصبح رئيسان عربيان خارج اللعبة السياسية بعد أسابيع قليلة من اندلاع الثورة في بلادهما ويتبعهما ثلاثة رؤساء تهتز كراسيهم من تحتهم آلان بقوة، ولا أحد يعرف ماذا تخبئ لهم الأيام، وماذا تخبئ للمنطقة؟ ولا في الأحلام كان يخطر ببال مواطن عربي سوري أن يرى ويعيش، بل ويشارك في تلك المظاهرات الحاشدة في أغلب مدن سوريا، كما أنه لم يكن، ولا في أحلام الرئيس السوري، أن يتظاهر ضده شعبه، وأن يُقتلْ من شعبه أكثر من خمسمائة خلال ثلاثة أسابيع… كما أنه لم يكن، متوقعاً أن يفقد الرئيس اليمني سيطرته على اليمن، وأن يخذل دول مجلس التعاون الخليجي في مبادرتها للصلح بينه وبين المعارضة. ولا في الأحلام كان ينتظر أحد أن يرفض الرئيس اليمني اليد الخليجية التي طالما مدت له بالمساعدات والدعم، ويتراجع عن وعوده لها، ويتراجع أكثر من مرة عن وعده بالجلوس على طاولة الصلح، وقد يخسر بذلك من بقي له من أصدقاء كانوا يريدون حمايته. ولا في الأحلام كنا لنسمع أن شخصيات نخبوية كويتية تدعم المعارضين في البحرين وتشجعهم على معارضة النظام الشرعي فيها، وتساعد على الفوضى داخل المنطقة. ولا في الأحلام كان الفلسطينيون يتوقعون أن تجلس السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" على طاولة الصلح، وأن تنتهي الأزمة الفلسطينية الداخلية، بعد أن مارس الطرفان جميع أنواع الخلافات السياسية والاقتصادية والثقافية بل وحتى العسكرية ضد بعضهما بعضاً. لم يكن أحد يتوقع أن يتصافحا، بل وأن يجلسا على طاولة الصلح. لكننا نراهما اليوم وقد جلسا وتصالحا وتصافحا وأعلنا فتح صفحة جديدة... إنه شيء، ولا في الأحلام، أن يحدث بهذه السرعة. ولا في الأحلام كان العرب يتوقعون أن يروا إسرائيل تعيش رعباً حقيقياً، فهي تراقب الثورات العربية بعين القلق، وتشعر لأول مرة منذ بدأت "لعبة السلام" مع العرب أنها في خطر حقيقي، وبأنها قد تصبح وحيدة، حتى الولايات المتحدة قد لا تتفهم تخوفها… ربما تشعر إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنها قد تندم على عدم قبولها بمبادرة السلام العربية، وقد يكون هذا الندم قريباً وليس بعيداً… فهل كان أحد ليتوقع ذلك؟ لأول مرة بعد قرن مليء بالسواد وبالهزائم وبالإحباط يعيش العرب أيام التغيير، بعد أن كان ذلك مقصوراً على أحلامهم السرية، التي لا يمكنهم حتى أن يجاهروا بها. إنه واقع عربي جديد ومع كل ما يحمله من تحديات ومخاطر ومفاجآت إلا أنه واقع يريده الإنسان العربي ويشعر فيه بالراحة.