في هذه الشهور الأربعة من سنة 2011، مقارنة بعام 2010، ارتفع عدد المشاهدين والمشتركين العرب في الفضائيات والميديا الجديدة بحوالي 400 في المئة، ومع سخونة الأحداث سيستمر العدد في الارتفاع. هذه الأحداث -وفي قلبها احتجاجات في بعض الشوارع العربية- واضحة التوجه: حرية وعدالة اجتماعية، ولكن النهاية غير واضحة المعالم، ليس فقط في الدول التي لا يزال فيها مصير هذه الاحتجاجات غير مؤكد، - ليبيا أو سوريا، ولكن أيضاً في الدول التي نجحت ثوراتها في الإطاحة بنظم الحكم - تونس ومصر، حيث بدأت الانقسامات -والتي تقول لنا تجارب التاريخ إنها متوقعة- والتي ستؤثر بالطبع على المحصلة النهائية لهذه الثورات. ومع ذلك فإنه من المفيد النظر إلى تداعيات هذه الاحتجاجات والثورة، وتصور كشف حساب ولو مبدئي، ثلاث نقاط رئيسية وثلاث فرعية: أولاً: أكدت هذه الأحداث أهمية الإعلام ومركزيته، وخاصة الإعلام الجديد- من "الفيسبوك"، و"تويتر"- والذي أصبح البديل الآن لما يسميه بعض الغربيين "الهاتف العربي" Arab telephone، إشارة إلى سرعة تنقل الأخبار في المنطقة العربية قبل العولمة بين الأهل والخلان. وهناك الآن بالطبع صورة جديدة لهذا الهاتف العربي الكلاسيكي والنشط، والتي اختزلت الوقت بين عالم الميديا الجديدة الافتراضي والواقع المعاش. ثانياً: أعادت هذه الأحداث ومركزية الإعلام الفضائي إلى الشارع العربي، نوعاً من الوحدة العربية، التي كثر الحديث عنها من أكثر من قرن ولم يتحقق الكثير من وعودها، ولكن العودة هذه المرة لم تأت من "أعلى" عن طريق سياسات الدول، ولكن من "أسفل" عن طريق التواصل في نبض الشارع العربي. ثالثاً: قد يكون نبض هذا الشارع مثالياً وحتى متطرفاً في توقعات النجاح والمكسب الفوري، من تحسين أوضاع المعيشة بطريقة جذرية، إلى إرساء نظام سياسي جديد، أي أن العجز قد يطول انتظاره بعض الشيء، سيكون كشف الحساب على المدى الطويل إيجابياً، ولكن على المدى القصير ما هو حساب المكاسب والخسائر بين العرب وجيرانهم؟ ثلاثة معالم أساسية:1- الاتفاق بين "حماس" والسلطة الفلسطينية قد يعطي الانطباع بأن إسرائيل ستخسر على طول الخط، وهي في الواقع ستخسر إحدى دعامات سياستها الدعائية: أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، ولكنها ستعوض ذلك -في جو عدم الاستقرار الذي يعم المنطقة- بأنها واحة الاستقرار الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها، وبالتالي تستغل هذا الموقف لتقوية ترسانتها العسكرية، وخاصة الأشد تحديثاً، وقد بدأ هذا بالفعل. 2- في المدى القصير أيضاً، تبدو إيران في موقف قوي، فقد تخلصت من بعض النظم السياسية المعادية، وخاصة في مصر، ولكن في المدى المتوسط وطويل الأجل، سيزداد التهديد على النظام الإيراني الحاكم، حيث أن معظم مشاكل الشباب والمجتمع هناك هي مثل المجتمعات العربية. 3- الكاسب الأكبر في رأيي، هي تركيا في المدى القصير، قد تتأثر الصادرات التركية سلباً مع بعض الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار وتدهور الاقتصاد، ولكن قد يعوض هذا تحول بعض الاستثمارات والسياحة في المنطقة العربية إلى تركيا. ولكن أهم المكاسب ستكون سياسية، ففي انشغال بعض الدول العربية المحورية مثل مصر، ستزداد محورية الدور التركي وتقديم أنقرة نفسها على أنها محور الاستقرار، ستزداد بالذات "قوتها الناعمة" على أنها بالنسبة للمعادلة الأساسية في العلاقة بين الدين والسياسة، فهي تقدم النموذج الناجح عن إمكانية "الإسلام الديمقراطي" وسبل تحقيقه. ويحتاج تحليل هذه القوة الصاعدة مقالاً أكثر تفصيلاً. ولكن لنستمر الآن في تتبع الأحداث وتحليلها، والتفكير في السيناريوهات المختلفة ومناقشتها كوسيلة فعالة في الحاضر للإسهام في هندسة المستقبل.