لفت انتباهي تقرير، يُبين أن دولة الإمارات أنفقت أكثر من مليار و200 مليون درهم فقط خلال العام الفائت لعلاج 70 ألف مواطن فقط، خارج الدولة على نفقة الحكومة الاتحادية. بعد قراءة هذا الرقم، شدني خبر آخر يقول إن وزارة الصحة خصصت نحو 300 مليون درهم هذا العام فقط لشراء الأدوية وتأمينها لمستشفيات الدولة، مع خطة متكاملة لتطوير هذه الرعاية. ووفقاً للتقرير نفسه، بلغ الإنفاق الصحي السنوي 2300 درهم للفرد الواحد العام الفائت، لعل هذه الأرقام تثير تساؤلنا: كم بلداً من البلدان العربية والنامية يخطط كالإمارات على المديين القريب والبعيد، لضمان تأمين رعاية صحية مُثلى للأجيال المتعاقبة؟ أتمنى أن تكون البلدان كلها هكذا، ولكن واقع الحال، يبدو سيئاً للأسف في معظم الأحيان. ومن يقرأ تقارير منظمة الصحة العالمية، سيحزن كثيراً على النسب الكبيرة من الوفيات، وبخاصة بين الأطفال سيحزن على عشرات الملايين ضحايا تفشي الأمراض المعدية والأوبئة، مع شحة توزيع الدواء واللقاحات، فضلاً عن تدني معدل الأعمار في مجتمعات هذه البلدان. وما أجمل الحياة، كل هذا بسبب نقص أو انعدام مثل هذه الرعاية لدى معظم البلدان، بما فيها عدد كبير منها، لا يمثل المال مشكلة لديها. هل تعرفون أين يكمن السبب وجوهر المشكلة؟ الكثير من الدول لا تكترث لأهمية الصحة، لأن معظمها لا يدرك الأبعاد السوسيولوجية والاجتماعية للرعاية الصحية، لا يدرك أنه بدونها لا يمكن للمجتمع المشاركة والقيام بتنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية. ومن دونها، سيغير معظم أفراد المجتمع أولوياتهم، من الاندماج كعناصر فاعلة في المجتمع وتنميته، إلى الانعزال والانطواء على الذات ومواساة أحدهما للآخر. وبدونها فإن المريض في العائلة قد يعطل عمل العائلة كلها، ويفقد المجتمع فرصة للتقدم والحياة، لقد شدني وأنا أقرأ حديث للشيخ زايد رحمه الله يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، يوصي فيه إخوانه حكام الإمارات والحكومة الاتحادية، وتحديداً في المجلس الوطني في مارس 1977، بضرورة الإسراع في تقديم أفضل خدمات الرعاية الصحية في المناطق والقرى النائية قبل المدن، ويشدد على أن تجعلها الحكومة من أولى أولويات استراتيجية الدولة، كان يدرك رحمه الله، القيمة المضافة لرعاية الفرد في الصحة والتعليم، وما يترتب عليهما من نتائج، بعد أن ينعم بنعمتي الصحة والعلم. لهذا كان رحمه الله يترجل بنفسه شخصياً لمتابعة ما وصلت إليه المشروعات الصحية والتعليمية في التنفيذ، ومنذ ذلك التاريخ، بات هذا سلوكاً مؤسسياً وإنسانياً لمن بعده، يسير عليه، وليس هذا للمواطن الإماراتي فحسب، فوفقاً لتقرير المساعدات الخارجية الذي نُشر في نوفمبر 2010، دفع الشعور الإنساني الإمارات لتقديم نحو 94 مليار درهم إلى أكثر من 92 دولة حول العالم الذي كان مشغولاً آنذاك، وما يزال بالأزمة المالية وهو أمر جعل الإمارات تصبح إحدى أبرز الدول المانحة في العالم. ساهمت الإمارات في بناء مستشفيات خارج الحدود، مراعاة لهذا الهدف الإنساني، ولم تتردد في نشر مشروعها الإنساني لحظة واحدة، واليوم لديها خمسة مستشفيات متنقلة عملاقة، مجهزة بأحدث المعدات الطبية للإغاثة والطوارئ الإنسانية السريعة، ولمن يحتاجها من دول العالم. الإنفاق على الصحة اليوم هو إعمار للأرض والحياة.. إعمار للأرض يشترط إنساناً قادراً على العمل غير عليل.. إعمار للحياة يشترط الصحة لديمومتها. نعم "الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يدركه إلا المرضى".. عافانا الله وإياكم و"ما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من المعافاة" صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عبدالله المزروعي