عندما يأتي ذِكْر دولة الإمارات، عادة ما يتبادر إلى الذهن إنجازات أبهرت العالم مثل أطول برج، وأعلى فندق، والجزر الصناعية الفريدة من نوعها على أشكال النخلة والعالم. لكن أحد أهم الإنجازات التي قد تكون أقل إبهاراً، إلا أنها تُعتبر إنجازاً رائداً عربيّاً وعالميّاً، هو الإعلان عن بدء تشييد أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم تحت مسمى "شمس 1"، وهو المشروع الذي يسلط الضوء على النظرة المستقبلية الصائبة والفريدة للإمارات. فعلى الرغم من أن الإمارات تعتبر صاحبة سابع أكبر احتياطيات عالمية من النفط والغاز، فإن التخطيط المستقبلي للدولة قد راعى ضرورة التوجه للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة التي تتميز بالنظافة وحماية البيئة من أجل الأجيال المستقبلية، وهو الأمر الذي جعل الإمارات الدولة الرائدة إقليميّاً في هذا المجال. لقد كانت إمارة أبوظبي سبّاقة في مجال حماية البيئة حين أعلنت عن نيتها تأمين سبعة في المئة من إجمالي احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2020. ولهذا الغرض، قامت أبوظبي بأحد أهم الاستثمارات في مجال البيئة النظيفة من خلال إنشاء شركة "مصدر" في عام 2006، حيث تهدف الشركة إلى تطوير جميع مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات المستدامة. وبالنظر إلى هيكل الشركة العملاقة تتضح العناية الفائقة التي تم بها تخطيط مستقبل البيئة بدولة الإمارات، حيث تم تركيز الاهتمام على كل الجوانب الأساسية والحيوية المرتبطة بتطوير واستخدام الطاقة المتجددة. وتضم الشركة خمس وحدات متكاملة، الأولى تغطي الجانب الأكاديمي والبحث العلمي بإنشاء "معهد مصدر" الذي يُعدُّ جامعة مستقلة للدراسات العليا في مجال علوم وهندسة الطاقة البديلة والتقنيات البيئية والاستدامة، والذي تم تطويره بالتعاون مع معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا الأشهر على مستوى العالم. أما الوحدة الثانية فتغطي جانب النشاط الاستثماري محليّاً وعالميّاً في قطاع الطاقة النظيفة ذي المستقبل المرموق، حيث تم تأسيس "مصدر للاستثمار" التي تسعى لبناء محفظة تضم كبرى شركات الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة الواعدة على المستويين العالمي والمحلي، مع عمل الوحدة على مساعدة هذه الشركات على النمو والتطوير بتقديم رأس المال والخبرة الإدارية. والوحدة الثالثة تمثل الذراع التنفيذية لمشروعات الطاقة النظيفة، حيث تعمل "مصدر للطاقة" على تطوير وتشغيل مشروعات الطاقة المتجددة بالاستثمار المباشر فيها، ويتم تحت إدارتها تنفيذ مشروع "شمس 1" سابق الذكر. والوحدة الرابعة تتعامل بصورة مباشرة مع جهود تنظيف البيئة وتحسين البصمة البيئية لدولة الإمارات، حيث تتولى "مصدر لإدارة الكربون" إدارة المشروعات التي من شأنها خفض الانبعاثات الكربونية عبر تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة واسترداد الحرارة المفقودة، إضافة إلى التقاط وتخزين الكربون. وتجدر الإشارة هنا إلى قيام الوحدة في الوقت الراهن بتنفيذ أحد أهم المشروعات العالمية في هذا المجال، الذي سيعمل عند الانتهاء منه على التقاط خمسة ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويّاً. وأخيراً، هناك مشروع المدينة النموذجية بيئيّاً، "مدينة مصدر" الرائدة التي تُعدُّ أكثر مدن العالم استدامة، والتي ستحتضن نحو أربعين ألف نسمة ومئات الشركات وتقوم بصورة غير مسبوقة بالاعتماد الأساسي على مصادر الطاقة النظيفة المتجددة. وتحفيزاً لتنمية وتطوير الطاقة النظيفة، وإدراكاً لمسؤوليتها العالمية بالمساهمة الفعّالة في حماية البيئة، تقدم دولة الإمارات سنويّاً "جائزة زايد للطاقة المستقبلية" التي تكرّم الإنجازات التي تعكس الابتكار والرؤية بعيدة المدى والريادة في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة. كما يتم سنويّاً منذ عام 2008 عقد "القمة العالمية لطاقة المستقبل" تحت الرعاية الكريمة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي تنفرد بتوفير منصة تجمع قادة القطاعين العام والخاص على المستوى العالمي، وذلك لمناقشة التحديات ولتعزيز التعاون من أجل التصدي للقضايا الحاسمة في مجال الطاقة المتجددة. ولا شك أن ريادة الإمارات في مجال الطاقة المتجددة، المدفوعة بالنظرة المستقبلية الصائبة والاهتمام العميق بقضايا البيئة سواء محليّاً أو إقليميّاً أو عالميّاً، كان أحد أهم المقومات التي أدت لاختيار أبوظبي لاستضافة المقر الرئيسي للأمانة العامة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "أيرينا"، فيما يُعدُّ المرة الأولى التي تقوم فيها وكالة دولية باختيار مدينة في منطقة الشرق الأوسط مقرّاً لها. وتعتبر "أيرينا" التي تشكلت في عام 2009، منظمة حكومية دولية لتشجيع اعتماد الطاقة المتجددة على نطاق العالم، وتضم حاليّاً في عضويتها سبعين دولة، مع توقيع مئة وأربع وتسعين دولة على اتفاقيتها. إن إنجازات دولة الإمارات وريادتها في مجال تطوير واستخدام الطاقة المتجددة من أجل مستقبل أفضل وبيئة أنظف لأبنائها وللبشرية جمعاء، لأمرٌ يدعو للفخر والتفاؤل، ولا يقل بأي حال من الأحوال عن باقي الإنجازات المتميزة في مجالات التطوير والعصرنة الاقتصادية والاجتماعية. ولا شك أن هذه الإنجازات تعطي الأمل والمثال المتميز لدول منطقتنا العربية في الحفاظ على البيئة وتحسينها من أجل مستقبل أفضل للأجيال المستقبلية. د. عبدالله الرميثي