بدأت دول الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع في تطبيق قوانين وتشريعات تهدف إلى تنظيم وتقنين سوق الأدوية العشبية التي تباع في الصيدليات ومحلات البقالة دون الحاجة إلى وصفة طبية، والمستخدمة في الممارسات العلاجية الشعبية، بغرض حماية المستهلكين من أية أعراض جانبية ضارة قد تنتج عنها. ويأتي هذا الإجراء في ظل حقيقة أن تداول الأدوية والمنتجات العشبية تنظمه قوانين وتشريعات صدرت في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، عندما كان عدد هذه المنتجات، وعدد من يصفونها من ممارسي الطب الشعبي، وعدد من يتعاطونها كعلاج، صغيراً جدّاً، مقارنة بحجم هذه الصناعة أو التجارة في الوقت الحالي. فعلى سبيل المثال تظهر الإحصائيات أن واحداً من كل أربعة أشخاص في بريطانيا استخدم خلال العامين الماضيين منتجاً عشبيّاً اشتراه من صيدلية أو من محلات الأغذية الصحية، لعلاج مرض أو علة ما. وعلى المستوى الدولي، يقدر أن مبيعات هذه المنتجات تصل إلى عدة مليارات سنويّاً، وخصوصاً في دول العالم النامي، التي يترسخ بين سكانها الاقتناع بقدرات المنتجات الطبيعية والأدوية العشبية، أو تتخطى فيها تكلفة العقاقير الطبية قدرة غالبية السكان الشرائية. وتأتي هذه التشريعات الأوروبية الجديدة التي يتوقع أن يتبناها العديد من الدول خارج الاتحاد الأوروبي بما في ذلك دول المنطقة، في ظل تزايد القلق والشكوك المحيطة بجوانب مختلفة من الاعتماد على المنتجات الطبيعية والعشبية كوسيلة علاجية. ويتركز هذا القلق وتلك الشكوك حول عدة نقاط، منها أن هذه المنتجات لا تخضع لنفس إجراءات ومعايير رقابة الجودة أثناء عملية الإنتاج، مثل تلك التي تخضع لها العقاقير الطبية. وهو ما يؤدي بالتبعية إلى عدم القدرة على التحكم في الجرعة بشكل دقيق، حيث غالباً ما يختلف تركيز المادة الفعالة -بالزيادة أو النقصان- بين عبوة وأخرى. كما أن غياب معايير الجودة والتحكم أثناء عملية الإنتاج يمكن أن ينتج عنه تلوث المنتج النهائي، بمواد كيميائية وعقاقير شديدة الفعالية، وهو السيناريو الذي ربما يكون مصادفة، أو أحياناً عمداً من قبل الشركة المصنعة. وأفضل مثال على هذا السيناريو هو اكتشاف جهة الرقابة الدوائية البريطانية في شهر أكتوبر الماضي، أن منتجاً يباع كـ"شاي عشبي" تحت اسم (Payouji)، وكبسولات (Pai You Guo)، بغرض التخسيس وفقدان الوزن، يحتويان على عقار كيميائي شديد الفعالية، هو عقار السبيو-ترامين (Sibutramine). وهذا العقار كان قد حصل على الموافقة الطبية عام 1997 للاستخدام كعلاج دوائي لخفض الوزن وعلاج السمنة، إلا أن الدراسات اللاحقة أظهرت تسببه في زيادة معدلات الإصابة بالذبحات الصدرية، والسكتات الدماغية بين مستخدميه. وهو ما دفع الجهات الرقابية في الدول الأوروبية، وفي الولايات المتحدة، لسحبه من الأسواق، ومنع استخدامه من قبل الأطباء والمرضى. ولكن في الفترة التي تلت هذا المنع، ظهر هذا العقار ضمن العديد من مكونات المنتجات العشبية والطبيعية التي تدعي قدرتها على خفض الوزن وعلاج السمنة. وعلى ما يبدو أن العديد من الشركات التي تصنع هذه المنتجات، وبناء على فعالية عقار السبيو-ترامين الموثقة في خفض الوزن، وفي ظل منع استخدامه قانونيّاً بسبب أعراضه الجانبية الخطيرة، لجأت إلى خلطة مع أعشاب ونباتات، للتحايل على المنع، وإيهام المستهلكين بأن هذا العشب أو ذاك النبات هو الذي يحقق خفض الوزن. والعكس أيضاً صحيح، حيث أحياناً ما يلجأ بعض المنتجين إلى استخدام أجزاء من النبات، ليست ذات قيمة أو فعالية. فعلى سبيل المثال، إذا ما كانت زهرة النبات المعني هي التي تحتوي على المادة الفعالة، وبالتالي تكون مرتفعة الثمن، يلجأ البعض إلى استخدام أوراق النبات، التي تكون عديمة الفائدة ومنخفضة القيمة، وفي الوقت نفسه يذكر اسم النبات على العبوة، دون أن يذكر أيّاً من الأجزاء تم استخدامه. والغريب في الموضوع، وحسب الإجراءات والتشريعات القائمة منذ ستينيات القرن الماضي، أن هذا التصرف لا يعتبر نوعاً من الغش، على أساس أن مصنعي المنتجات الطبيعية لا يمكنهم التحكم في المكونات الكيميائية التي تحتويها المواد (الطبيعية). وبعيداً عن هذه الممارسات المشبوهة، تحمل المنتجات العشبية والطبيعية في طياتها خطراً خاصّاً، وهو قدرتها على التفاعل والتأثير في العقاقير الطبية. حيث غالباً ما تحتوي هذه المنتجات على مواد كيميائية -مضافة أو طبيعية- لابد من وضعها في الاعتبار عند وصف عقاقير طبية أخرى للمريض. وأفضل مثال يمكن أن يظهر هذا الجانب بشكل جلي، هو النبات المعروف بعشبة القديس يوحنا أو حشيشة القلب (St John’s Wort)، التي يمكنها أن تؤثر على فعالية حبوب منع الحمل. وهناك أيضاً نباتات مثل عشبة الجنكة أو كزبرة البئر (Ginkgo)، أو عشبة الجنسنج (Ginseng)، المعروف عنهما تأثيرهما على عقار الور-فارين (Warfarin)، الذي يستخدم بشكل واسع لعلاج تخثر الدم في حالات الجلطات الدموية. وبعيداً عن الأخطار الصحية، والآثار الجانبية الخطيرة، التي قد تنتج عن استخدام تلك المنتجات، فهي تتميز جميعها بصفة مشتركة، هي غياب الدراسات والأبحاث العلمية التي تظهر فعاليتها أو قدرتها على علاج هذا المرض أو ذاك، على عكس العقاقير الطبية، التي دائماً ما تتطلب دراسات وأبحاثاً، تستغرق سنوات طويلة، وتكلف عشرات أو مئات الملايين من الدولارات، قبل أن يرخص باستخدامها في العلاج. وهذه النقطة الأخيرة، بخلاف أنها تسبب خسارة مالية دون مردود علاجي يذكر، كثيراً ما تؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للمريض بسبب عدم تلقيه لعلاج مناسب لحالته المرضية، اعتقاداً منه أنه يتلقى بالفعل علاجاً طبيعيّاً عشبيّاً، لا يزيد في حقيقته عن كونه مجرد أوراق وأزهار نباتات عديمة الفائدة.