منذ سبعينيات القرن الماضي ونحن نحتفل باليوم العالمي للأرض من خلال تنظيم مجموعة من الفعاليات والتظاهرات التي تروم توعية الناس حول مخاطر التلوث على البيئة. وفي هذا الإطار نظمنا حملات لتنظيف الشواطئ وأرسلنا ملصقات عن الأرض والبيئة إلى مدارس خارج الولايات المتحدة لإشراك دول العالم في الانشغال بالبيئة ونشر الوعي بشأنها، لكن وبصرف النظر عن الجهود التي بذلت على مدار السنوات السابقة واتساع رقعتها إلى خارج الحدود الوطنية تبقى هناك حقيقة أساسية مفادها أنه رغم مرور أربعين عاماً على الاحتفال بيوم الأرض وما يصاحب ذلك من تركيز على قضايا البيئة مازالت الإنسانية في مجملها تقلل من شأن كوكب الأرض، ولا تبذل ما يكفي من الجهد لتغيير ممارساتنا الحالية، فمنذ بدء الاحتفاء بيوم الأرض لم نتوقف نحن بني البشر عن الإفراط في صيد السمك واستنزاف ثروته من البحار والمحيطات والبحث عن الوقود الأحفوري في مختلف بقاع العالم، فضلا عن نفثنا لمزيد من ثاني أكسيد الكربون في الأجواء، بالإضافة إلى المساحات الشاسعة من القمامة ومكبات النفيات التي أحدثناها، وتكاد تصلح في مساحاتها إلى مساحة تكساس. فكيف أمكن لهذا الواقع أن يتبلور في الوقت الذي زاد فيه وعينا البيئي وتنامى فيه إحساسنا بخطر التلوث على كوكب الأرض؟ المشكلة أن كل الخطابات الرنانة حول البيئة والوعي الذي راكمناه على مدى السنوات الماضية لم يترجم على أرض الواقع إلى تصرفات ملموسة، فلكي يكون وعينا البيئي فعالاً يتعين تجاوز مجرد إدراك المخاطر إلى ابتداع تغييرات حقيقية قابلة للقياس تؤثر على سلوكنا اليومي وتدفعنا إلى تغييره. ومن نافلة القول إن مستقبلنا ومستقبل أبنائنا على كوكب الأرض يستدعي منا التحرك العاجل والفعال لإصلاح سلوكنا وترشيد استهلاكنا باعتبار الاستهلاك العامل الأساس في تقليل التلوث وحماية البيئة والوفاء بالتزاماتنا نحو كوكب الأرض، وإذا كان الجميع منا قد تعلم أشياء كثيرة في المدرسة حول البيئة والتلوث وطريقة التقليل من أضراره مع تركيز بعض المدارس على رحلات إلى الطبيعية لمزيد من التوعية، إلا أنه بطريقة ما فشلت التربية البيئية في دفعنا إلى تغيير سلوكنا اليومي والحد من الاستهلاك، ويبدو أن التربية البيئية التقليدية تفترض أن الوعي بالبيئة سينتقل تلقائياً من الإدراك إلى العمل، وسيتحول إلى تصرفات سليمة تؤثر إيجاباً على كوكب الأرض، والحال أنه مهما خلصت النيات وسعت المدارس إلى الرفع من وعي الناشئة، إلا أنها لم تستطع الحد من المشاكل البيئية المتفاقمة، وللتدليل على أن التربية البيئية الحالية المركزة فقط على التوعية قد فشلت في إعطاء الثمار المرجوة ما علينا سوى النظر إلى الصعوبات التي تواجهها التشريعات الرامية إلى حمايتها، إذ كلما اقتُرح قانون للحد من التلوث يتم اسقاطه في الكونجرس بذرائع مختلفة. وعلينا أيضاً التساؤل في هذا الصدد عن سبب الدعم الذي تحظى به الجماعات الناكرة للتغيرات المناخية من قبل اللوبيات الصناعية والنفطية المختلفة. والحقيقة أن الحديث عن البيئة وتحمل مسؤولياتنا تجاهها يتعدى القضايا السياسية والشخصية، فلا يمكن التعامل مع حماية البيئة على أنه خيار شخصي للأفراد، أو عقيدة دينية، بل هي واجب مدني وجانب أساسي من جوانب التماسك المجتمعي على غرار الاستجابة إلى القانون والتقيد بمقتضياته. لذا يتعين علينا جميعاً، وليس فقط الطلبة في المدارس، إدراك أهمية تقليص الاستهلاك وترشيده والانتقال إلى العمل والسلوك اليومي، وعلى المربين أن يطوروا برامج عملية تدفع الطلبة والناشئة إلى التقليل من الاستهلاك في حياتهم اليومية، كما علينا التركيز على فكرة التنمية المستدامة التي تفند الاعتقاد الراسخ بأن النمو المطرد يكون دائماً في مصلحتنا، فقد بات معروفاً اليوم لدى الاقتصاديين وعلماء البيئة على حد سواء أن بقاء النمو الاقتصادي الحالي لم يعد قابلاً للاستدامة، وأنه ما لم يُقرن بالحفاظ على البيئة وحماية الموارد الطبيعية فإننا نقضي على كوكب الأرض. ويمكننا في هذا الصدد التعلم من آبائنا وأجدادنا خلال الكساد الاقتصادي الكبير، حيث اضطر الأميركيون وقتها تحت وقع الأزمة والحاجة الاقتصادية إلى خفض استهلاكهم اليومي. وبدلاً من الإفراط في اقتناء المعدات الإلكترونية واستبدالها كل مرة، علينا الاحتفاظ بأقلها واستخدامه أطول فترة ممكنة، كما يمكننا أيضاً تحمل ارتفاع طفيف في معدلات البرد خلال فصل الشتاء، أو درجة الحرارة خلال فصل الصيف بدل الإسراع إلى استخدام المكيفات والتدفئة التي تستهلك كمية كبيرة من الطاقة، وأخيراً علينا الاشتغال على أنماط حياتنا والسعي إلى تغييرها لما فيه مصلحة الإنسانية والكوكب الذي تعيش عليه، وإلا تفاقمت المشاكل البيئة وزادت حدتها كما تشهد على ذلك السنوات الأخيرة التي عرفت زيادة في الكوارث الطبيعية من عواصف وفيضانات لا يمكن فصلها عن ظاهرة التغير المناخي الذي تتسبب فيه النشاطات البشرية والإفراط في استهلاك الطاقة. ومن دون هذه النقلة النوعية من مرحلة التوعية إلى طور التطبيق وتغيير السلوك سيبقى الحديث عن حماية البيئة مجرد خطابات بلاغية فيما التلوث يتفاقم يوماً بعد يوم. تشالرز سايلان ودانيال بولمشتيان كاتبان أميركيان متخصصان في العلوم البيئية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج ميديا سيرفس"