من هذا الطين الداكن كان الخلق وبداية الرحلة، وإليه تتطلع العيون لمرأى الثمار اليانعة وهي تخرج وتنضج وتصير رزقاً طيباً حلالاً. لا فرق في ذلك بين أبناء ملة وأخرى، فالأرض هي الأم الرؤوم وهي الرحم الحنون، وهي الرزق والخير العميم... هكذا قالت حكمة الفلاحين منذ القدم، وهكذا ظلوا يتوارثون اهتمامهم بالأديم وما يخرجه من حب ونبات وجنات. ولا يشذ عن ذلك هذا الفلاح الذي نراه في الصورة وهو يتفقد حقول الأرز في ضواحي مدينة جوهاني بالهند، وقد حمل على العصا الطويلة فوق عاتقة، وعاءً يحوي بعض العلاجات التي يقوم بوضعها في أماكن ونقاط محددة تقتضيها حالة الحقل، وما قد يستشعره وجوده من مخاطر يمكن أن تهدد حصيلة عمله المضني طيلة عدة أشهر. فقد أوشك الجهد أن يؤتي ثماره المطلوبة أخيراً، لكن المخاطر التي قد تواجهه -ولو في آخر لحظة من الموسم- كثيرة جداً، ومنها الجراد والطيور والديدان والأوبئة والآفات الأخرى غير المحدودة. فرحُ الفلاح بالحقول وقد اخضرّ وجهها وبزغت سنابلها الناهضة، لا يعادله إلا القلق من الآفات الزراعية غير المتوقعة، وأخيراً تأتي مشكلات الحصاد والتسويق لعلها تنسيه مشكلات البذر والري والرعاية طيلة أشهر الموسم. فلا راحة للفلاح في الدنيا طالما لم يجد أهلها وسيلة أخرى للاستغناء عن منتوجه!