مع ارتفاع أسعار البنزين إلى 5 دولارات للجالون في بعض الولايات، يعاني الأميركيون إحدى نوبات الغضب التي تتجدد عاماً بعد عام بسبب ارتفاع أسعار هذه المادة، ويلقون باللوم في ذلك على إدارة أوباما. يحدث هذا في الوقت الذي انخفضت فيه شعبية الرئيس إلى 47 في المئة خلال الشهور الستة الأخيرة. ومن الموضوعات السياسية المتكررة التي تؤجج غضب الأميركيين، استيراد الولايات المتحدة 60 في المئة من حاجتها من النفط من مصادر خارجية، بينما كان يجب أن تبذل مجهوداً أكبر لتقليص اعتمادها على تلك المصادر والاستثمار في الإنتاج المحلي بدلاً من ذلك، سواء من الحقول البرية أو البحرية. والافتراض الذي يتبناه الأميركيون هو أن هذا الاعتماد على المصادر المحلية سوف يقلل من انكشاف الولايات المتحدة لحالات حظر تصدير النفط من قبل الدول المنتجة، كما حدث أثناء حرب عام 1973، خصوصاً وأن الثورات المندلعة حالياً في أرجاء العالم العربي تبرر الخشية من تكرار السيناريو. وهناك حجة شعبوية مؤداها أن الأموال التي يدفعها الأميركيون لشراء النفط في حالة الاعتماد على الذات، سوف تذهب لمنتجين أميركيين وليس للأنظمة الأتوقراطية التي يعتبر العديد منها معادياً للأميركيين. صحيح أن تقليل الكمية المستوردة من النفط من الخارج سوف يؤدي لخفض العجز في ميزان المدفوعات الأميركية، لكن من الصحيح كذلك أن العديد من الحجج التي يقدمها الكثيرون ضد شراء النفط من الخارج تبدو صحيحة ظاهرياً لكنها ليست كذلك في الحقيقة. فمعظم كميات النفط التي تستوردها الولايات المتحدة من الخارج تأتي من الجيران المباشرين... من كندا والمكسيك على وجه التحديد، كما أن نسبة كبيرة من الكميات المتبقية تأتي من جنوب أميركا وغرب أفريقيا، في حين لا تزيد نسبة النفط الذي تستورده الولايات المتحدة من الشرق الأوسط عن 19 في المـئة، ومن السعودية خصوصاً. الشيء الذي يضر الاقتصاد الأميركي والمستهلك الأميركي حقاً هو سعر النفط، وليس المكان الذي يأتي منه. وطالما التزمت الولايات المتحدة باقتصاد السوق العالمي، فإن النقص في كميات النفط المتاحة بسبب الفوضى، أو الصراعات في المناطق الكبرى المنتجة للنفط، مثل الخليج أو غرب إفريقيا، سوف يقود حتماً إلى ارتفاع أسعار هذه المادة لدى الدول الأخرى المنتجة للنفط. وذلك يعني أن منتجي النفط المحلي (في الولايات المتحدة) سوف يستفيدون كذلك من ارتفاع أسعار النفط مما يزيد من أرباحهم، لكن ذلك لن يكون له سوى تأثير ضئيل على سعر البنزين في محطات التزويد. ومن الموضوعات التي تتكرر كثيراً في سياق مناقشات الأميركيين الغاضبين بسبب ارتفاع أسعار النفط، موضوع الفوائد الاستراتيجية التي يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تحقيقها إذا ما استوردتا النفط من حوض الأطلسي تحديداً، بدلاً من المحيط الهندي أو روسيا أو آسيا الوسطى. ومن الصحيح أن بعض المصدرين يلعبون دوراً فريداً في الأسواق النفطية الأميركية والأوروبية بما يحمله ذلك من تداعيات جيوبولويتيكية. واعتماد الولايات المتحدة على كندا كبير، لكن كندا دولة مستقرة للغاية مقارنة بالعديد من المصدرين النفطيين الآخرين الواقعين في دول تطل على الأطلسي، ومنهم نيجيريا التي تواجه في الوقت الراهن مشكلات سياسية عديدة يمكن أن تؤدي لانقطاع صادراتها النفطية. والشيء الأكثر إثارة للقلق هو الاعتماد الأوروبي على روسيا في النفط والغاز. ويشار في هذا السياق إلى أن الصين تقدم مثالاً جيداً للمستوردين. فمن المعروف أنها تتمتع بشهية مفتوحة للنفط، وأن ذلك قد علّمها ألا تعتمد على مصدر واحد في استيراد تلك المادة وإنما على مصادر متعددة ليس للنفط فقط ولكن لكافة أنواع الوقود الأحفوري والمواد الخام اللازمة لتشغيل اقتصادها الهائل. لهذا السبب نرى الصين حالياً وقد تواجدت في كل منطقة يوجد بها نفط أو غاز طبيعي، سواء أكان في روسيا، أو آسيا الوسطى، أو الخليج العربي، أوقارة إفريقيا، أو أميركا اللاتينية. ونظراً لأن الدول المستوردة للنفط تتعرض لنقص الكميات المتوافرة لديها منه في حالة حدوث أي أزمة من الأزمات، فهناك اهتمام لدى الدول بالسعي من أجل أهداف مشتركة لتخفيف تأثير هذا النقص. ويمكن القول إن من أهم الخطوات العلاجية التي تم الاتفاق عليها حتى الآن؛ إعداد خطط طاقة لعمليات توقف إنتاج أو ورود النفط القصيرة الأجل. ويتضمن هذا تجهيز احتياطيات استراتيجية من النفط مماثلة لتلك التي تجهزها الولايات المتحدة واليابان والصين أيضاً. من المهم كذلك أن تكون هناك كميات فائضة من الإنتاج النفطي متوافرة لطرحها في السوق في حالة حدوث نقص بعد فترة قصيرة من الحاجة إليها. وفي الوقت الراهن ليس هناك من دولة لديها هذه الطاقة الفائضة. وهذا يعني أنه من مصلحة الدول المستوردة للنفط السعودي أن تعمل على رعاية الاستقرار في المملكة، وهو شيء لا يمكن النظر فيه دون النظر إلى اعتبارات أخرى تتعلق بالمملكة ودورها في مواجهة الصراعات والتوترات السائدة حالياً في العالم العربي. ويتفق الأميركيون والأوروبيون والصينيون على أن استقرار أسواق النفط شيء مهم للنمو العالمي، لكن الشيء الذي قد لا يتفقون فيه تماماً هو الوسائل التي يمكن بها تحقيق ذلك الاستقرار. ففي الوقت الذي يبدو فيه الأميركيون والأوروبيون مستعدين لاتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران بسبب برنامجها النووي، فإن الصين والهند تريان أن هذا الموقف يمكن أن يؤدي لنشوب ذلك النوع من الصراعات الذي قد يدفع بأسعار النفط نحو مستويات عالية يمكن أن تترتب عليها عواقب كارثية لعملية التعافي الاقتصادي العالمي. هذه هي المعضلة التي يتعين على أوباما معالجتها في فترة مبكرة من الصيف الحالي، وذلك عندما يعود موضوع السياسة الأميركية تجاه إيران إلى صدارة أجندته. أما فيما يتعلق بالمستقبل، فإن المتغير الحقيقي في قواعد اللعبة هو ما إذا كان البحث عن مصادر بديلة للطاقة، بما يمكن هذا العالم من إيقاف اعتماده على النفط، سوف ينجح أم لا. وهذا النجاح لن يتحقق في نظري إلا بسبب مزيج من الارتفاع المتزايد لأسعار النفط، وسياسة نفطية جسورة تكافئ الابتكار في مجال الطاقة البديلة والتقنيات الجديدة المساعدة على توفير بدائل رخيصة وأكثر كفاءة في الآن ذاته.